الرئيسيهتقارير

العقوبات على حكومة البرهان .. الدلالات والتوقيت

هل تيقنت واشنطن من الإرهاب في السودان

أثار قرار وزارة الخارجية للولايات المتحدة بإدانة السودان وفرض عقوبات على خلفية استخدام الحكومة السودانية أسلحة كيميائية ردود فعل متباينة على الصعيدين الداخلي والدولي. وقد وصفت وزارة الخارجية السودانية العقوبات بأنها “تخبط وضعف في حس العدالة”، معتبرة أن القرار الأمريكي يدعم من يرتكبون الإبادة الجماعية، في إشارة إلى قوات الدعم السريع .واصدر الناطق الرسمي للحكومة خالد الاعيسر بيانا منددا بالقرار اتهم فيها امريكا “بالابتزاز السياسي وتزييف الحقائق بشأن الأوضاع في السودان!وانتهاج سياسات تعرقل مسيرة الشعب السوداني نحو الاستقرار والسلام والازدهار، كلما أحرزت الدولة تقدماً ملموساً على الأرض! وتسعى الي فبركة الاتهامات وترويج الأكاذيب، مقللا من اهميتها بوصفها ادعاءات لا تستند إلى أي دليل، وتأتي ضمن نهج قديم يرتكز على خارطة الطريق التي وضعتها الإدارة الأمريكية السابقة عام 2005، والتي تُعدَّل مرحلياً بما يخدم الأجندات الأمريكية، مجددا عزم الحكومة الاستمرار في الحرب الي النهاية! أما الجيش فقد اكتفى بنفي اتهامات واشنطن باستخدام أسلحة كيميائية قائلا :
نحن نخوض حربنا بأساليب نظيفة!

هذا وقد اتهمت الولايات المتحدة منذ يناير 2025 الجيش السوداني باستخدام أسلحة كيميائية مرتين على الأقل خلال النزاع مع قوات الدعم السريع، ونشرت صحيفة نيويورك تايمز “ديكلان وولش” تقريرا في يناير الماضي يفيد بأن الجيش السوداني استخدم أسلحة كيميائية مرتين على الأقل ضد قوات الدعم السريع، ونقل التقرير حينها عن مسؤولين أميركيين كبار أن الجيش استخدم غاز الكلور ضد عناصر الدعم السريع في مناطق نائية، وعبّر مسؤولون أمريكيون عن قلقهم من إمكانية استخدام هذه الأسلحة في مناطق مكتظة مثل الخرطوم، وفرضت واشنطن ردا على ذلك حينها، عقوبات على قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، شملت تجميد أصوله وحظر التعاملات المالية، بموجب الأمر التنفيذي رقم 14098، والذي يستهدف من يقوّضون استقرار السودان والانتقال الديمقراطي فيه.

أعلنت امريكا في بحر الاسبوع الماضي من مايو الجاري 2025، عن عقوبات إضافية بعد تحقيقات تشير إلى استخدام الحكومة السودانية أسلحة كيميائية عام 2024. تضمنت العقوبات قيودًا على الصادرات وخطوط الائتمان الحكومية، ومن المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في يونيو 2025. وقد أشار الكاتب والباحث م/ وليد الريح : “ان العقوبات الامريكة تمهد لعزل دولي و تصعيد قانوني، بقوله : في خطوة تحمل أبعادًا قانونية وسياسية عميقة، أعلنت الولايات المتحدة أنها توصلت إلى أن حكومة السودان استخدمت أسلحة كيميائية في عام 2024، في انتهاك مباشر لالتزاماتها بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. هذا الإعلان، الذي جاء على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، تمامي بروس، يمهّد لفرض عقوبات مشددة على الحكومة السودانية، تشمل تقييد الصادرات الأميركية، وحرمانها من خطوط الائتمان الحكومية. مؤكدا ان القرار الأميركي يُمثّل بداية إطار قانوني جديد للضغط متعدد المستويات، ويُتوقع أن يُبنى عليه لاحقًا لتصعيد العقوبات وتوسيع نطاقها سياسيًا ودبلوماسيًا، وربما جنائيًا، بما يشمل أفرادًا وقطاعات بأكملها في السودان”. وقد انتقد مولانا “سيف الدولة حمدنا الله” التهوين من النتائج التي يمكن أن تترتب على القرار الأمريكي بفرض عقوبات على السودان، ووجه الطمأنينة التي تستند على القول بأن العقوبات لن تؤثر على الشعب لأن البلاد قد إعتادت عليها، وعرفت كيف تشق طريقها لوحدها دون الإعتماد على بقية دول العالم! مشيرا الي ان هذا منهج قديم في التفكير، ولد وترعرع في كنف حكم الانقاذ!

خلاصة القول، قوبل قرار الولايات المتحدة _ كالعادة_ بردود فعل متباينة على المستويين الداخلي والدولي.وعلى المستوى الدولي، أثارت العقوبات الأمريكية جدلاً واسعًا. ومثلما انتقدت بعض الدول والمنظمات الدولية القرار الأمريكي، معتبرةً أنه يفتقر إلى الأسس القانونية والموضوعية، وكان من الأجدر بالولايات المتحدة أن تسلك المسار القانوني عبر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية للتحقيق في هذه المزاعم، ايدت اخرى القرار نتيجة لطبيعة الجهات المسيطرة على الجيش وسوابقها في الحروب الماضية! وكذلك احدث انقساما داخليا بين معارض للقرار باعتباره نوع من الصغوط والإملاء للشروط والتدخلات الخارجية، وبين مؤيد للقرار لانه يرى الحقيقة الاجرامية للجيش وانتهاكاته وفظائعه التي ترقي للابادة الجماعية وجرائم الحرب الانسانية مثل ما اصدره ثوار الدولة السودانية من بيان جاء فيه : “نرحّب نحن ثوار الدولة السودانية بالقرار الدولي القاضي بفرض تدابير صارمة على حكومة بورتسودان الكيزانية، ردًا على استخدامها للأسلحة الكيميائية في انتهاك صارخ لكافة الأعراف والمواثيق الدولية، وعلى رأسها اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. وندعو إلى التطبيق الفوري والحازم لهذا القرار، ومواصلة الجهود لمحاسبة كل من تورّط في هذه الانتهاكات، سواء بالتخطيط أو التنفيذ أو التستّر، ونطالب بفتح تحقيقات شاملة بإشراف جهات دولية مستقلة” فضلا عن كثير من الفئات المعارضة التي ترى في القرار فرصة للضغط على الجيش وحكومة الامر الواقع للقبول بالحلول السلمية لانهاء الحرب!

يمكن القول إن العقوبات الأمريكية لقيت تأييدًا من بعض الجهات المحلية، بينما قوبلت برفض من الحكومة السودانية وبعض القطاعات الشعبية، إلا انها عكست أيضا تعقيد المشهد السياسي في السودان، حيث تتداخل الاعتبارات الوطنية مع الضغوط الدولية. وفي ظل استمرار النزاع المسلح والأزمة الإنسانية المتفاقمة، رغم كل شئ يظل الرهان في قدرة الأطراف السودانيةالمختلفة على التوصل إلى حل سلمي شامل يضمن وحدة البلاد واستقرارها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى