
يرى كثير من المراقبين ان اصدار قائد الجيش البرهان قراراً بتشكيل لجنة وطنية تضم وزارة الخارجية، وزارة الدفاع وجهاز المخابرات العامة، للتحقيق فيما اسماه مزاعم أمريكية، باستخدام الحكومة للسلاح الكيماوي في حربها، قد جاء متأخرا وبعد ان تجاوزت الاتهامات خانة المزاعم الي القرار الناتج عن تحقيق وثبوت بالادلة على الاقل لدي الخارجية الامريكية التي اصدرت قرار العقوبات.
واشار مراقبون الي عدم جدية الحكومة ببورتسودان حول التحقيق او المسؤولية او الشعور بها او ادنى حساسية تجاه استخدام هذه الاسلحة المحرمة دوليا ! ولم تتحرك الا مؤخرا لذر الرماد ومحاولة ايجاد تبرير مقنع.
قرار بعد ذبح الشاة !
ويقول المحلل السياسي عصام يوسف انه ولولا اصدار العقوبة لما تحركت الحكومة في هذا الاتجاه او حاولت ازعاج نفسها بالتحقيق عن قتل المواطنين سواء بالكيماوي او قطع الرؤوس وبقر البطون او البراميل المتفجرة وتابع للاسف كل انواع القتل تدور رحاها على رؤوس المواطنين رغم الموت والمجازر والاحتجاجات الدولية وارادة العالم!
يقطع الخبير الاستراتيجي محمد الفضل بان كل العالم يعرف ان الحكومة تستخدم الاسلحة المحرمة دوليا فقد كانت دعوات قيادات الجيش على مستوى مجلس السيادة تنادي باستخدام الاسلحة المميتة وقد تم رصد دعوات لصخفيين محسوبين على حكومة الامر الواقع باستخدام الاسلحة الكيماوية ضد الدعم السريع وكذلك لايفاتية الجيش مثل الحوري وكيجاب وهم ينادون باستخدام السلاح المميت بل ان الحوري رئيس تحرير جريدة القوات المسلحة انزل المناداة في حائطه ب(الفيس بوك) وهو يلبس قناع ضد الغازات! في دلالة واضحة لنيتهم باستخدام الاسلحة الكيماوية والبيولوجية في حربهم ضد قوات الدعم السريع دون اي اعتبار لمايمكن ان يصيب المواطنين في مواقع سيطرة الدعم ، بل اعتبروهم حواضن لا تختلف عن الدعامة ويجب معاملتها معاملة العدو!
القرار الأمريكي..
في مايو الماضي اصدرت النيويورك تايم تقريرا نقلا عن مسؤولين امريكيين كبار ان الجيش استخدم غاز الكلور ضد عناصر الدعم السريع في مناطق نائية على الاقل مرتين او ثلاث مرات! ولم تصدر الحكومة اي قرارا بتشكيل لجنة للتحقيق حول الاتهامات التي بسببها اصدرت وزارة الخزانة قرارات ضد قائد الحيش البرهان نفسه! مما يدل على ان اصدار لجنة لم يكن المراد به الحقيقة او صادرا عن اعتبارات اخلاقية ترفض حقيقة استخدام الاسلحة المحرمة دوليا! ولكن فات على الحكومة ان الاتهامات التي تقول عنها مزاعم انها صادرة من الخارج وان غالب المعلومات حول استخدام الاسلحة المحرمة دوليا انما هي معلومات واردة من جهات دولية ذات قدرات وامكانات كبيرة في التحقق من هذه الاستخدامات المتعلقة بمثل هذه الاسلحة! وتتبع مساراتها وطرق دخولها او ختى تصنيعها المحلي واماكن تخزينها!
جدل حول تشكيل لجنة التحقيق
ازاء هذه القرارات بتشكيل اللجنة برزت عدة تكهنات بالسبب الحقيقي لاصدار انشائها ، الاول وهو ان القرار انما اتخذ زرا للرماد في عيون المتهمين والمجتمع المحلي بان الحكومة تهتم لامر الناس والالتزام بالقوانين الدولية ومراعاتها خاصة في الجانب المتعلق بحظر استخدام الاسلحة الكيماوية! والتكهن الثاني هو اصدار القرار من اجل ايجاد سبل لتبرير ونفي الاتهام خاصة وان ذلك اصبح جاهزا من خلال التبرير بالمؤامرة الدولية من اجل الضغط الاجنبي للسيطرة على موارد البلاد وتركيعها وقد بدأت غرف الاعلام التضليلي التابعة للحكومة العزف على نقمة المؤامرة وسوابق اتهام امريكا للعراق وضرب مصنع الشفاء سابقا! والتكهن الثالث والاخير هو ان اصدار القرار ناتج حقا عن عدم معرفة البرهان لاستخدام جيشه للاسلحة البيولوجية من غاز الكلور او غاز الخردل ضد مواطنيه وهو آخر من يعلم بذلك لعدم سيطرته الفعلية لميادين الحرب ومساراتها خاصة في ظل وجود مليشيات وكتائب البراء التي تتصرف بمعزل عن اوامر القيادة ولها من الامكانات والعلاقات ما يؤهلها لجلب عدد من الاسلحة الاستراتيجية دون علم او اوامر الحيش .
ويلفت المحلل السياسي يوسف انه مايزال الناس يذكرون احتكار البراؤون لاستخدام المسيرات في بداية الحرب وانهم من فتح الباب واسعا لجلبها واستخدامها وتوظيفها في الحرب! وتتوجه اليهم الآن اصابع الاتهام باستخدام هذه الاسلحة دون علم قيادة الجيش وانما بالتنسيق مع الضباط الاسلاميين المختطفين لمفاصل ادارات الجيش! خاصة مع ظهور العديد من الافلام والفيديوهات التي توثق لعناصرها وهي تستخدم الاسلحة الكيماوية وتفتخر بتوظيفها في الحرب ضد المتمردين!
وأشار قانونيون رفضوا ذكر اسمائهم الي انه ابتداءا اعتبار اللجنة غير محايدة، فكيف تكون حكومة البرهان هي الخصم والحكم! ثم أن المتهَم لا يُطالب بتقديم أدلة براءته، فهو بريء حتى تثبت ادانته ، وهذه الأدلة يجب على المدعي تقديمها! لذلك فإن تشكيل لجنة وطنية للتحقيق حول المزاعم الأميركية يضع الجيش في موقع غير الجازم ببراءته من التهم الموجهة إليه، وفي الوقت ذاته لن يكون للنتيجة التي تخلص إليها اللجنة أي قيمة قانونية إلا إذا كانت اعترافا بالجرم! وتساءلوا حول هل المقصود ب (التحقيق في المزاعم) هو التحقيق حول صحتها من عدمه ، أم التحقيق في الموقف الأمريكي؟
مهما يكن من حقيقة التكهنات – اذا تجاوزنا تلك الرؤية القائلة ان البرهان باصداره القرار انما يريد التنصل من المسؤلية وتوريط المليشيات المساندة في ملف الكيماوي – الا ان الجميع يعلم خطورة العقوبات الامريكية التي تعيد البلاد مرة اخرى الي مربع العزلة الدولية ومحاربة العالم وحرمانها من كثير من المزايا في التعامل الحر مع العالم خاصة في الجوانب الائتمانية والاستفادة من صناديق التمويل الدولية وحركة تنقل الاموال البينية والاستيراد والتصدير وربما تقود الي المطالبة بمحاكمة الافراد في المحكمة الجنائية الدولية كما حدث سابقا بطلب رئيس البلاد وبعض قيادات نظامه كمتهمين للمثول امام الجنائية الدولية!