الرئيسيهصحة و جمالمنوعات

كنز يحمل معاني الكرم التكافل”قدح الميارم” .. طبق من تراب دارفور

في دارفور، حيث الأرض تمزج بين الصحراء والسهول، تلتقي القبائل بعاداتها المتنوعة، يظل “قدح الميارم” أحد أصدق تعبيرات التراث الحي والموروثات التي لم تمحها السنوات ولا الحروب. هو ليس مجرد وعاء يُملأ بالطعام، بل رمز راسخ لمعاني التكاتف، والكرم، والأنوثة الأصيلة.

ما هو “قدح الميارم”؟

“القدح” في معناه المادي هو صحن خشبي كبير يُستخدم لتقديم الطعام، وغالبًا ما يُصنع يدويًا من أخشاب محلية متينة، تُجوف بعناية وتُلمع بالزيت لتأخذ شكلها الدائري المعروف.

أما لفظ “الميارم”، فهو تعبير سوداني عن النساء الكريمات، الشريفات، ذوات المروءة والفضل. وعندما يُقال “قدح الميارم”، فإن المقصود به ذلك الإناء الذي تملأه النساء بالطعام في مناسبات الجماعة — سواء في الأفراح، أو عند استقبال الضيوف، أو خلال الأزمات والمصائب — في مشهد يُجسد روح التضامن المجتمعي.

وجه من أوجه الكرم الجماعي..

قدح الميارم ليس سلوكًا فرديًا، بل هو دعوة مفتوحة للتكافل. في الأعراس، تجتمع نساء الحي ليُحضّرن الطعام في قدور كبيرة، ثم يُقدم في “القدح” ليُوزع على الضيوف والجيران. أما في حال وقوع فاجعة أو نازلة، فترى النساء يتناوبن على ملء القدح، كناية عن الوقوف بجانب أهل المصيبة دون انتظار دعوة.

وقدح الميارم لا يُقدَّم خاليًا من النية الطيبة؛ فلكل قدح حكاية، ولكل لقمة فيه دعاء، ولكل امرأة تصنعه، مكانة في نفوس من حولها.

تراث نسوي بروح المجتمع..

يُعتبر قدح الميارم من العادات التي تعكس مكانة المرأة في المجتمع الدارفوري، ليس فقط بوصفها طاهية أو مضيفة، بل كرمز للمبادرة والعطاء. فهو “قدح النساء” من حيث الصنع والتقديم، لكنه يُعبّر عن قيم المجتمع بأكمله: المحبة، التعاون، والنخوة.

وفي بعض القرى، يُزين “القدح” برسوم بدائية أو حفر فني، أو عقد منضوم وأحيانًا يُورَّث من جيل لآخر، ليبقى شاهدًا على استمرارية القيم في زمن تغيرت فيه الكثير من التفاصيل.

حين يتحول الطعام إلى رسالة ..

في عالم يميل نحو الفردية، يذكّرنا “قدح الميارم” بأن الطعام يمكن أن يكون رسالة محبة، وأن المرأة ليست فقط مَن تُعدّه، بل من تُعزز به أواصر القربى. وفي دارفور، لا تزال هذه الرسالة تُحمل في كل “قدح”، وتُقدَّم بنية الخير، وكأنها دعاء مفتوح:
“كل من أكل من قدح الميارم، صار من أهل البيت.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى