الرئيسيهجمعة حرازمقالات

السودان بين التيه التاريخي وبوادر الخلاص عبر التحالف التأسيسي

جمعة حراز يكتب ــ

لم يكن غياب المشروع الوطني في السودان مجرّد صدفة أو خطأ عابر في مسار السياسة، بل هو نتيجة تراكمية لعقود من الإقصاء، والتشظي، والارتهان لصراعات النخب التي ظلت تتنازع السلطة دون بوصلة، وتدير الوطن بعقلية الغنيمة لا بعين المسؤولية. ومنذ لحظة الاستقلال، ظل السودان يدور في حلقة مفرغة من الشعارات الجوفاء، والسياسات المؤقتة، والنخب العاجزة عن صناعة عقد اجتماعي جامع يُنهي دورات الفشل والانهيار.
لكن وسط هذا الظلام التاريخي، يلوح فجر جديد في الأفق، فجر يحمل اسم التحالف التأسيسي، بوصفه مشروعًا وطنيًا استثنائيًا لا يشبه ما سبق، لأنه لا ينطلق من مصالح ضيقة، بل من وجدان هذا الشعب الجريح، ويعبر عن آماله العريضة في وطن يتّسع للجميع، دون تمييز أو إقصاء.
إن التحالف التأسيسي ليس مجرد تكتل سياسي عابر، بل هو بداية لوعي جديد، يجترح مشروعًا وطنيًا يعيد تعريف السياسة كأداة لبناء الحياة لا لتخريبها، وكوسيلة للعدل لا للتمكين، ويضع أسسًا صلبة لدولة تقوم على العدالة، والكرامة، والمواطنة المتساوية.
لقد أدرك السودانيون، بعد كل هذا العناء، أن لا خلاص بلا مشروع يتجاوز مرارات التاريخ، ويطوي صفحة المركزوية الطاردة، ويعيد توزيع السلطة والثروة على أساس من الإنصاف، لا الامتياز. والتحالف التأسيسي، في هذا السياق، يمثل لحظة وعي شعبي عميق، تتجسد فيه تطلعات الهامش، وكرامة الإنسان، وحق كل سوداني في أن يكون شريكًا لا تابعًا، مواطنًا لا ضحية.
إننا نؤمن أن الفوضى لا تُهزم بالخطب، وأن الخراب لا يُرمم بالتمنّي، بل عبر بناء مشروع وطني حقيقي، يفتح الباب أمام التحول المدني العادل، ويصنع من السودان دولة للجميع، لا لفئة أو جماعة. والتحالف التأسيسي يُثبت كل يوم أنه قادر على أن يكون الحاضنة السياسية لهذا المشروع، والضامن الأخلاقي لتغيير المسار.
فلتكن هذه اللحظة بداية الانعتاق، ولنجعل من التحالف التأسيسي منصة لاستعادة الوطن، لا بوهم، بل برؤية، لا بعنف، بل بوحدة وطنية صلبة، تصنع المستقبل بأيدي أبنائه المخلصين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى