الرئيسيهمقالات

المجلد تبكي أبناءها.. عندما يصبح المستشفى مقبرة!

جمعة حراز يكتب ـــــــ

 

في عصر يوم 21 يونيو 2025، تحولت مدينة المجلد بولاية غرب كردفان إلى قلبٍ ينزف بعدما هوت عليه طائرة حربية، لا لتضرب موقعًا عسكريًا، بل لتصبّ نارها على مستشفى المجلد المرجعي، ذاك الملاذ الذي لطالما احتمى به المرضى، الأطفال، والنساء في انتظار الشفاء… لا الموت.

الغارة الجوية لم تكن ضربة عسكرية، بل صفعة على وجه الإنسانية.

سقط فيها (41) شهيدًا من المدنيين العزّل، وجرح العشرات، بينهم طاقم طبي، ومرافقون، وأبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم لجأوا إلى آخر ما تبقى لهم من مظلة في هذا الوطن الجريح.

أسرة واحدة.. تحولت إلى ضريح جماعي…قائمة مؤلمة تضم 21 شهيدًا من أسرة واحدة، في مشهد يُجسد أقسى معاني الفقد والانهيار:

(نور حسبو محمد ونسي، عبد الرحمن حسبو محمد ونسي، الحبيب حسوبة ونسي، حسيب حسوبة ونسي، سليمان محمد ونسي، آدم محمد ونسي، محمد آدم ونسي، محمود ونسي، الصادق ونسي، حمدان إبراهيم، الحبيب سومي الفضل، جمعة بشارة، حسب الله آدم الفضل، موسى آدم الفضل، آدم سعيد، نفيسة آدم الفضل، عوضية الحبيب، حسوبة موسى الجاك، فاطمة آدم الفضل، أم نعيم صافي، بخيتة الحبيب سومي.)

إنها ليست مجرد أسماء، بل أرواح، وذكريات، وأصوات كانت تملأ الحيّ بالضحكات والصلوات، قبل أن تطفئها آلة الحرب.

إن استهداف مستشفى مدني يقع خارج أي نطاق اشتباك عسكري، يمثل جريمة حرب كاملة الأركان، ويكشف عن مستوى غير مسبوق من الاستهتار بحياة المدنيين، وضرب صارخ لكل مواثيق القانون الدولي الإنساني، وعلى رأسها اتفاقيات جنيف.

هذا القصف ليس عارضًا… إنه جزء من سلسلة طويلة من الانتهاكات الممنهجة، بدأت قبل أشهر واستهدفت مراكز الإيواء في أبو زبد، وأحياء كاملة في المدن المنكوبة.

أين الأمم المتحدة؟ أين مجلس الأمن؟ أين هي الأصوات التي تملأ الدنيا حين تُمسّ مصالح الكبار، وتصمت حين يُسفك دم الصغار؟

إن صمت العالم أمام هذا القتل الجماعي هو شراكة في الجريمة، وتخلي عن واجب أخلاقي وقانوني تجاه شعب يُباد بالصوت والصورة.

المجلد تكتب التاريخ بالدم

رغم الفقد، فإن صمود أهل المجلد هو عنوان هذه المرحلة. من بين الركام، يقفون شامخين، يحملون شهداءهم على الأكتاف، وعيونهم إلى السماء. يقولون للعالم:

نُقتل، نعم… لكننا لن ننكسر.

هذه ليست مجرد مأساة محلية. إنها صرخة إنسانية كبرى تستوجب وقفة عالمية حقيقية.

ففي المجلد، لم يُقصف مبنى… بل قُصف قلب الوطن.

> المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.

الشفاء للجرحى، والصبر لأهلنا المفجوعين.

ولتبقَ المجلد، وكل شبر من هذا الوطن، عصيًا على الانكسار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى