
نعمل من تحت الأشجار ومقر الوزارة تحول إلى معسكر للنازحين!
أزمة البنية التحتية ليست وليدة حرب 15 أبريل بل نتيجة مظالم تاريخية…
زالنجي بها مستشفى واحد فقط.. وهذا ما فعله جيش (الفلول) بالمرافق عند اندلاع الحرب…
شكا مدير عام وزارة الصحة بوسط دارفور، د. طلحة الطيب عبد الرحمن، من انعدام البنية التحتية الملائمة لتقديم الخدمات الصحية والعلاجية للمواطنين، وعدم وجود مقر للوزارة يتيح أداء المهام الإدارية والتنفيذية بالصورة المطلوبة.
وقال في حوار مع صحيفة (الأشاوس): “نعمل من تحت الأشجار، ومقر الوزارة مستغل حاليًا من قبل النازحين”. وأوضح أن أزمة البنية التحتية في الولاية ليست ناتجة عن حرب 15 أبريل فقط، بل هي نتيجة تراكم مظالم تاريخية.
وأشار د. طلحة إلى أن مدينة زالنجي، عاصمة الولاية، لا يوجد بها سوى مستشفى واحد، وقد تعرض لأضرار جسيمة نتيجة القصف المدفعي من قبل جيش “الفلول”.
فيما يلي نص الحوار:
حوار: صحيفة الأشاوس
مرحبًا بك دكتور طلحة، مدير عام وزارة الصحة بولاية وسط دارفور، في صحيفة (الأشاوس).
في البداية، الشكر والتقدير للأخوة في صحيفة (الأشاوس) على دورهم الفعّال في توصيل صوتنا ورسالتنا. كما أوجه التحية للقائد العام لقوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، الذي تعلمنا منه معاني النضال والتضحية. الرحمة والخلود لشهدائنا الأبرار، والتحية لشعب ولاية وسط دارفور، وللسيد رئيس الإدارة المدنية والقيادة العسكرية للفرقة الثانية.
دعنا نتعرّف عليك عن قرب؟
أنا د. طلحة الطيب عبد الرحمن، المدير العام لوزارة الصحة بولاية وسط دارفور. بدأنا عملنا في ظل ظروف صعبة للغاية، حيث كانت جميع المؤسسات مدمرة وخالية من الإمكانات. وبتوجيهات السيد رئيس الإدارة المدنية، بدأنا بترميم بعض المكاتب والمؤسسات، ووضعنا اللبنات الأولى لإعادة تشغيل القطاع الصحي في الولاية.
كيف تعاملتم مع هذه التحديات؟
المقر الرئيسي للوزارة مدمّر تمامًا، وكذلك العديد من المراكز الصحية. المستشفى الوحيد كان يعاني من تحديات كبيرة تتعلق بالبنية التحتية، والمعدات، ونقص الكوادر. ولكن بعون الله استطعنا أن نؤسس لإدارة صحية فاعلة، وبدأنا بإعادة تشغيل بعض المراكز والمستشفى المرجعي.
هل ما زلتم دون مقر رسمي؟
نعم، للأسف، ما زالت الوزارة بلا مقر. نعمل في ظروف استثنائية، من تحت الأشجار أو في مواقع متناثرة. المقر السابق أصبح مأوى للنازحين، وهو بحاجة إلى ترميم شامل. خاطبنا عدة منظمات للمساعدة، لكن لم يُنفّذ شيء حتى الآن.
هل تعمل إدارات الوزارة بشكل منعزل؟
بالفعل، نحن نعمل في “جزر معزولة”. المدير العام في مكان، والمدير التنفيذي في مكان آخر، وكل إدارة تعمل من موقع مختلف. هذا يُعيق التنسيق ويزيد من صعوبة العمل.
ما هو وضع المستشفيات والمراكز الصحية حاليًا؟
مستشفى زالنجي التعليمي هو المستشفى الوحيد بالولاية. وقد تعرض لأضرار جسيمة جراء قصف من قِبل جيش الفلول. رغم ذلك، لم نسجّل حالات وفاة، لكن كانت هناك إصابات، بينهم طبيب أصيب بطلق ناري.
وما وضع المراكز الصحية والصيدليات؟
لدينا عدد من المراكز الصحية في محلية زالنجي، مثل مركز الحميدية، طيبة، الخمس دقائق، الحصاحيصا، والوحدة. هذه المراكز تعاني من تحديات كبيرة، لكنها ما زالت تقدم بعض الخدمات. أما في المحليات الأخرى مثل أم دخن، فالوضع أكثر تعقيدًا، حيث يستقبل المركز الصحي هناك مرضى من إفريقيا الوسطى وشرق تشاد، وهو غير مؤهل لاستيعاب هذا العدد.
مراكز في محلية مكجر متوقفة بسبب انسحاب المنظمات. وفي بندسي، توقف المستشفى بعد انتهاء تعاقد منظمة WR، ونسعى لإيجاد بديل. مستشفى وادي صالح يعمل بإمكانات محدودة، وهناك جهود من الهلال الأحمر لتشغيله قريبًا.
ما أسباب انتشار أمراض مثل الغدة الدرقية؟
السبب الرئيسي هو المياه، خاصة في مناطق مثل دريج، حيث يُستخدم السيانيد بشكل عشوائي في التعدين التقليدي. السيانيد يؤثر سلبًا على الغدة الدرقية، خصوصًا في موسم الخريف. عدد الحالات المسجلة يفوق 100 ألف حالة. وهنا أوجّه الشكر لمبادرة شباب زالنجي بالخارج لدعمهم وزارة الصحة بأجهزة فحص معملي مهمة.
كيف يتم التعامل مع الحالات المرضية المعقدة في ظل هذه الظروف؟
منظمة أطباء بلا حدود الإسبانية تُشغّل قسم “الحالات الساخنة” في مستشفى زالنجي بكفاءة عالية، بينما تتولى الوزارة قسم “الحالات الباردة”، رغم ضعف الإمكانات. لديهم أيضًا معمل للأشعة السينية هو الوحيد في الولاية.
هل تعتقد أن الحرب الأخيرة هي السبب الوحيد لما تمر به الولاية؟
لا، أزمة البنية التحتية ليست وليدة حرب 15 أبريل فقط. ولاية وسط دارفور عانت من تهميش تاريخي ممنهج. معظم المؤسسات المتبقية أُنشئت في عهد الاستعمار البريطاني، ولم تُحدّث منذ الاستقلال. الحكومات الوطنية المتعاقبة تجاهلت الولاية، ولم تستثمر في تطويرها، وهو ما انعكس على القطاع الصحي.
نحن اليوم ندفع ثمن السياسات الخاطئة للدولة السودانية منذ عام 1956، والتي جسدها ما يسمى بـ”مثلث التنمية” أو “مثلث الظلام”. نأمل أن تضع الحكومة القادمة، حكومة التأسيس، حدًا لهذا التهميش، وأن تضع خططًا حقيقية لتنمية هذه الولاية الغنية بالموارد والمقدرات البشرية.