
مواقف ومشاهد
بقلم: عبد الله إسحق محمد نيل
منذ اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل 2023، لم أشاهد فرحة جماعية أو حضورًا كبيرًا للمواطنين مثل الذي شهدناه وشاركنا فيه بالحضور مع أهالي وذوي التلاميذ الذين جلسوا لامتحانات العام 2025. حضورهم بقاعة “حمدو” بمدينة نيالا – حاضرة ولاية جنوب دارفور – كان متميزًا، جميلاً، كبيرًا ومتفردًا، وقد عبّر حقًا عن المناسبة وكان ملائمًا لها، ومثّل دعمًا وسندًا لأبنائنا وفلذات أكبادنا الذين وفّقهم الله وحفظهم بالجلوس لامتحانات المرحلتين الابتدائية والمتوسطة.
منهم من حالفهم الحظ ونجحوا، ومنهم من لم يحالفهم الحظ بالنجاح لاجتياز الامتحانات، ومع ذلك حققوا نسبة نجاح غير مسبوقة في تاريخ الولاية، تجاوزت 88%. هذا الرقم القياسي يُعد إنجازًا تاريخيًا يُحسب أولاً للتلاميذ، ثم لأولياء أمورهم، وللإدارة المدنية في الولاية، ولمجالس الآباء والأمهات، ولكل المعلمين والمعلمات، ولكل الجهات والمنظمات والخيرين الذين دعموا التعليم في ولاية جنوب دارفور.
فالتحية لكم جميعًا، يا من قمتم بالواجب وصنعتم الجميل والمستحيل في ظل الظروف الصعبة التي كانت تعيشها هذه الولاية الفتية.
وهنا دعوني أقول: نعم الله على العباد كثيرة، وأقلها “نجابة الأطفال”. فنجاح الأطفال في هذا الزمن الصعب هو الغاية التي يسعى الجميع لتحقيقها، ويجتهد الآباء والأمهات وأولياء الأمور من أجل بلوغها. ونجاح الأطفال يحتاج إلى جهود كبيرة، ومتابعة، وصبر ومصابرة. كل أم وأب يعمل ليل نهار لكي يتعلم أبناؤهم، ولكي يكونوا ناجحين في تعليمهم، وفي حياتهم، وناجحين في الدنيا، وهو ما يُعدّ مؤشراً لنجاحهم حتى في الآخرة.
وأعتقد أنه لا يوجد في هذه الدنيا شيء أفضل وأجمل من أن نقدّم “العلم” لأبنائنا، لذلك قيل:
“العلم يرفع بيتًا لا عماد له، والجهل يهدم بيت العز والشرف.”
ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:
“من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معًا فعليه بالعلم.”
فطوبى لمن علّم أبناءه، ويا حسرتاه على من فرّط في تعليمهم.
لذلك، ومن أجل ذلك، يتوجّب علينا أن نسعى جميعًا للعلم والتعلّم لأبنائنا. كآباء وأمهات، يجب علينا أن نبذل كل ما في وسعنا من أجل إنجاحهم وتعليمهم كل أنواع العلوم العصرية المتعددة والمتطورة، حتى يكونوا قادرين على مواكبة الحداثة والتطور التكنولوجي، وإدارة شؤون حياتهم بنجاح في المستقبل.
وينبغي على جميع أولياء الأمور أن يشعروا بالمسؤولية تجاه أبنائهم. وتحقيق هذه المقاصد يتطلب من الجميع – حكومة وشعبًا – العمل على:
فتح جميع المدارس.
إقامة مؤتمرات علمية تناقش قضايا التعليم بين الواقع والمأمول.
معالجة الخلل الحاصل بسبب الحرب الحالية.
إيجاد حلول فعالة لحماية مسارات طلاب دفعات 2023، 2024، و2025.
فتح مؤسسات التعليم العالي في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع لاستيعاب أبناء الشعب السوداني الذين حرمتهم حكومة بورتسودان من حقهم في التعليم والعيش الكريم.
حتى نكون على دراية ووعي، على الجميع أن يدرك أن أهمية التعليم تكمن في دوره لبناء الأفراد والمجتمعات. لا بد من أن تكون هناك سياسات تعليمية عامة تضعها حكومة السلام والوحدة، تضمن:
إلزام الجميع بالتعليم.
مجانية التعليم، خاصة لأبناء هذا الجيل الذين وُلدوا في ظروف تختلف تمامًا عن ظروف الأجيال السابقة.
في الأمس، حضرنا المؤتمر الصحفي الكبير والمميّز بمدينة نيالا، والذي عُقد بقاعة “حمدو” لإعلان نتائج امتحانات شهادتي المرحلتين الابتدائية والمتوسطة للعام 2025. كان الحضور كبيرًا والفرحة غامرة بين الأهالي بنجاح أولادهم وبناتهم. ما لفت انتباهي هو ما شهدته نيالا البحير – في عهد السيد رئيس الإدارة المدنية يوسف إدريس يوسف، والسيد مدير عام وزارة التربية والتعليم بالولاية، الأستاذ المربي الخلوق حافظ عمر أحمد – من تطور كبير في التعليم أفقيًا ورأسيًا، حيث قفز عدد التلاميذ الممتحنين من حوالي 2000 تلميذ في 2024 إلى 7300 تلميذ في 2025.
هذا الإعلان طمأن جميع المواطنين السودانيين على مستقبل العملية التعليمية بولاية جنوب دارفور، وزرع الأمل والفرح في نفوسهم.
وأكدت تجربة الولاية أن المعلمين هم رسل السلام والتنمية البشرية، وهم قادرون على مواجهة كل التحديات والمخاطر من أجل محاربة الجهل والتخلف.
لقد حققوا أحلام المواطنين، وقهروا المستحيل، ونشروا الأفراح في نيالا وكل محليات الولاية، وجعلوا من جنوب دارفور واحة أمن واستقرار.
وها هي الأفراح تضاف إلى أفراح أخرى ستأتي بها حكومة السلام والوحدة في المستقبل القريب، بإذن الله…
ولربما تكون حكومة التأسيس القادمة هي من تتبنى سياسة إلزامية ومجانية التعليم في كل ربوع السودان.