
نسايم الدُغش
بقلم: علي يحيى حمدون
تسعى هذه الأيام الآلية الرباعية الدولية — الولايات المتحدة الأمريكية، مصر، الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية — جاهدَة لعقد مؤتمر يناقش الأزمة السودانية وسبل حلها.
الرؤية الأمريكية تركّز على مسارين متوازيين، أولهما الوقف الفوري للحرب، وثانيهما محاولة الجمع بين القائدين حميدتي والبرهان.
لكن السؤال هو: هل ستنجح هذه المساعي فعلًا؟
منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل لعام 2023، كانت قوات الدعم السريع الطرف الوحيد الذي يسعى لإيقافها، من خلال سلسلة من المحادثات بدأت بمفاوضات جدة التي واجهت تعنت الجيش بتوجيه من الحركة الإسلامية، مرورًا باتفاق مبادئ المنامة الذي تنكرت له الحركة نفسها، وانتهاءً بمحادثات جنيف التي تغيب عنها الجيش بقرار مباشر من المتأسلمين.
ورغم أن مباحثات جنيف جرت برعاية أمريكية، إلا أن الحركة الإسلامية، ورغم تسميتها، اتسمت بسلوكها بنقض العهود والمواثيق، لأنها هي الطرف الذي أشعل الحرب منذ البداية، بدافع واضح هو استعادة السلطة.
في كل جولات التفاوض السابقة، ظل مطلب محاسبة مشعلي الحرب وتقديم مرتكبي جرائم الإبادة إلى محكمة العدل الدولية حاضرًا بقوة.
يبقى السؤال: هل يستطيع البرهان فعلاً نفض يده عن الإسلاميين؟ وهل هو مستعد للتخلي عن جلبابهم من أجل سلام حقيقي يعترف بالتنوع السوداني ويضمنه؟
للإجابة، لا بد من النظر إلى الوراء.
اتفاق مبادئ المنامة، مثلًا، تم بتوافق جزئي داخل الجيش، ولكن سرعان ما انقلب عليه الوفد العسكري فور عودته بتأثير مباشر من الحركة الإسلامية، التي تسعى لتعدد الجيوش، وتفريخ ميليشيات من داخل جيش متهالك.
رئيس الوفد، شمس الدين الكباشي، لم يلبث أن صرّح بعدم اعترافه بأي طرف سوى “المقاومة الشعبية” — التي لا تعدو أن تكون غطاءً لتيارات متطرفة.
البرهان لا يستطيع فك ارتباطه بالحركة الإسلامية، لأن في ذلك نهاية لمشروعه العسكري.
الاجتماعات التي عقدها المتأسلمون في إسطنبول للتنديد بمبادرات الآلية الرباعية دليل على أنهم ما زالوا ممسكين بالخيوط.
وإن خسر البرهان دعمهم، فسيفقد أيضًا الحليف التركي، وبالتالي تقنياته الحربية مثل طائرات “البيرقدار أكينجي”.
عندها سيكون الحسم أسرع وأسهل لقوات الدعم السريع، التي أثبتت بالفعل قدرتها على تحييد سلاح الجو في أكثر من جبهة.
إذا كانت الرباعية الدولية صادقة في سعيها للسلام، فعلى الولايات المتحدة اتخاذ خطوات حقيقية، أولها تحييد السعودية ومصر، وثانيها تصنيف الحركة الإسلامية كتنظيم إرهابي.
بهذا يمكن تقليص الدعم اللوجستي الذي يصل إليهم من بعض الدول وكسر أدواتهم، تمهيدًا لفرض تسوية عادلة على الأرض.
لكن تظهر هنا نقطة أخرى: هل ستتوجه الآلية الرباعية للتعامل مع الدعم السريع كقوة عسكرية؟
أم ستتعامل مع تحالف السودان التأسيسي؟
التحالف التأسيسي ليس مجرد مظلة سياسية، بل هو تحالف سياسي عسكري كبير، وجدت فيه الغالبية السودانية نفسها.
تحالف لم يشهده السودان منذ الاستقلال، خاطب جذور الأزمة، وعيّن هيئة قيادية برئاسة القائد محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
تحالف لم يُقصِ أحدًا، إلا من اختار العزلة.
لذلك فإن التواصل مع هذا التحالف هو السبيل الوحيد لأي حل شامل.
ختامًا، نجاح الآلية أو فشلها يتوقف على توصيف دقيق وشفاف للأزمة السودانية، بعيدًا عن تدخلات المحاور الإقليمية، وألا تكون الحلول استرضاءً لقوى إقليمية ترى السودان حديقة خلفية لمصالحها.
سنلتقي بإذن الله…