
في سيرة حامد حمدين النويري جمعون عضو المجلس الرئاسي ، تتقاطع مسارات الانضباط العسكري ، والصرامة المحاسبية والحكمة المجتمعية ، لتُنتج نموذجاً متفرداً للقيادة الوطنية المتصالحة مع جذورها ، والمرتبطة بواقع شعبها في غرب كردفان ، والممتدة بخيوط الوعي والمسؤولية نحو وطن يسعى لبلوغ السلام والتنمية المستدامة.
وُلد النويري وترعرع في المجلد تلك المدينة التي شكلت بوابة وعيه الأول ، حيث نهل من مدارسها الشرقية مبادئ الانتماء والبذل ، قبل أن يشق طريقه عبر المراحل التعليمية المختلفة وصولاً إلى كلية المحاسبة بجامعة النيلين ، التي تخرج فيها بعد مسيرة علمية توجها بدبلوم الزمالة من المركز القومي للدراسات المحاسبية ، وقد رافقت هذه الرحلة الأكاديمية نزعة عملية مبكرة ، صقلته بها تجاربه اللاحقة في مؤسسات الدولة والمجتمع.
انخرط في الخدمة العسكرية حاملًا انضباطها إلى ميدان الإدارة العامة ، حيث تبوأ عدة مناصب في وزارة المالية بولاية غرب كردفان ، وصندوق تنمية أبيي ، ومكاتب المتابعة الإدارية ، ليبرز لاحقاً كأحد الوجوه الإدارية الصلبة في العمل التنموي والمجتمعي ، متسلحاً بخبرة واسعة في المحاسبة والحوكمة والتنسيق بين الأجهزة الرسمية والشعبية ، وقد أهلته هذه الخبرات ليقود ملفات شائكة في مناطق ذات خصوصية سياسية واجتماعية معقدة.
لم يكن النويري إدارياً تقليدياً ، بل حمل تطلعات أهله وتحديات مناطق التماس إلى قلب القرار ، حيث أدار ملفات حساسة في أبيي وشرق النيل ، ممثلاً لقوات الدع م الس ري ع، وفاعلاً ضمن هياكلها الاستشارية والتنظيمية ، كمنسق ومستشار ومشرف على إقليم كردفان ، مؤكداً على دوره المتوازن بين العمل العسكري والمجتمعي ، ومكرساً جهوده لخدمة السلم الأهلي وتثبيت الاستقرار.
ولعل أبرز ما يميز حامد النويري هو حضوره القيادي في المنصات السياسية والتنموية ، إذ يشغل منصب نائب رئيس تحالف القوى المدنية المتحدة (قمم) ، وعضوية اللجنة التحضيرية لحكومة التأسيس ، فضلاً عن دوره الحيوي كنائب رئيس مجلس إدارة منظمة “إنقاتو” للسلام وتنمية المجتمعات المحلية ، إنه رجل الأقاليم والمجتمع ، الحاضر في نبض القواعد والمُبادر في لحظات التحول ، بما يملكه من قدرة على إدارة الفرق ، ومهارات التواصل ، والرؤية العميقة لاحتياجات الناس.
في هذا المنعطف الحرج الذي يعيشه السودان حيث تتداخل الأزمات وتتجدد الحاجة إلى قيادات مؤمنة بالتغيير من الداخل ، يبرز حامد النويري كأحد أبناء المرحلة ، لا بوصفه طارئً على المشهد ، بل بوصفه صوتاً أصيلاً من أصوات المجتمعات المهمشة ، التي طالما عانت من الإقصاء والإنكار ، لم يكن انخراطه في حكومة التأسيس طموحاً شخصياً ، بل امتداداً لمشروع جمعي ظل يعمل عليه لسنوات ، مشروع يسعى لإعادة توزيع السلطة على أسس العدالة والاعتراف وتوطين التنمية في الأطراف التي ظلت خارج حسابات المركز ، ويُحسب له قدرته على التوفيق بين مقتضيات العمل الوطني ومتطلبات الانتماء المحلي ، فهو ابن كردفان حين يتحدث عن حقوق الناس ، وهو رجل دولة حين يتحدث عن وحدة البلاد ، وهو من أولئك الذين يدركون أن بناء السلام لا يتحقق بالشعارات ، بل بتغيير البنية التي أنتجت الحرب ، وهي مهمة تحتاج إلى وعي مركب وشجاعة تنظيمية ، ورؤية بعيدة المدى ، وهي صفات طالما أظهرها النويري في مواقفه وتحركاته.
يتحدث النويري العربية بطلاقة ويمتلك إلماماً معتبراً بالإنجليزية ، ما يجعله قادراً على التحرك في دوائر محلية ودولية دون حواجز ، لكنه وقبل كل شيء ، قائد ميداني يعرف كيف يُمسك بخيوط التعقيد ، ويحولها إلى أدوات للتقدم ، ليس من خلال الخطابة أو الوعود ، بل من خلال العمل الدؤوب ، والإنصات العميق ، والقدرة على صوغ الممكن في أحلك اللحظات.
إن حامد النويري في موقعه اليوم كعضو بالمجلس الرئاسي ، لا يمثل مجرد حصة جغرافية أو توازناً سياسياً ، بل هو تمثيل واع لتراكم خبرات وتجارب شكلت وجدان رجل اختبر الميدان وجرب الإدارة ، وتشرب هم مجتمعه ، ليكون صوتاً لمن لا صوت لهم ، وعيناً للمركز على الأطراف ، وجسراً يربط بين حسابات الدولة وأحلام الناس.