الرئيسيهجمعة حرازمقالات

جمعة حراز يكتب: السودان يولد من جديد… ميلاد حكومة السلام

في لحظة فارقة من تاريخ السودان، خرج رئيس المجلس الرئاسي الفريق أول محمد حمدان دقلو ليخاطب الشعب السوداني، معلنًا تشكيل حكومة السلام، حكومة ولدت من رحم التضحيات الجسيمة، ودماء الشهداء الأبرار، وصبر الجرحى والأسرى والمفقودين، وأنين الأمهات والآباء الذين قدّموا أبناءهم فداءً للوطن.
الخطاب لم يكن مجرد إعلان سياسي، بل كان بمثابة وثيقة عهد جديدة مع الشعب السوداني، رسم ملامحها بمداد الصدق والاعتراف بمعاناة السودانيين الطويلة مع الحروب منذ خمسينيات القرن الماضي، حين تتابعت الحركات والمقاومات: من أنانيا إلى جبهة نهضة دارفور، ومن مؤتمر البجا إلى اتحاد جبال النوبة، ومن اللهيب الأحمر إلى حركة تحرير السودان. سبعون عامًا من النزاع والدماء والمجاعات والنزوح، ومع ذلك ظل الحلم بالسلام المؤسَّس والدولة العادلة مؤجلاً حتى جاءت لحظة التأسيس.

في خطابه، شدّد دقلو على أن حكومة السلام ليست سلطة جديدة بقدر ما هي أداة لإنهاء الحرب، ووضع حد لمعاناة السودانيين، وإعادة تعريف الدولة السودانية على أسس جديدة: حكم لا مركزي، عدالة انتقالية، دولة مدنية ديمقراطية، احترام حقوق الإنسان، وتداول سلمي للسلطة بعيدًا عن عسكرة السياسة.
هذا الخطاب حمل اعترافًا شجاعًا بأن حرب 15 أبريل لم تكن خيارًا، بل فرضتها بقايا النظام البائد الذي أراد إفشال الاتفاق الإطاري، فكانت المقاومة دفاعًا عن الشعب والمهمشين. وفي هذا السياق، دعا دقلو إلى تحقيق دولي شفاف يكشف من أشعل الحرب ومن تسبب في مآسي السودانيين.
إن أبرز ما ميّز الخطاب هو وضوح الالتزام تجاه الشعب:
الالتزام بالعدالة والمحاسبة على انتهاكات سبعة عقود.

الالتزام بتأمين المساعدات الإنسانية لكل المحتاجين دون عوائق.

الالتزام بالمواثيق الدولية، وحسن الجوار، والعلاقات الخارجية القائمة على المصالح المشتركة.
لقد أرسل رئيس حكومة السلام رسالة وجدانية قوية: أن مشروع تأسيس السودان ليس مشروع نخبة أو حزب، بل هو عهد مع الشعب نفسه؛ عهد على بناء وطن يسع الجميع، وطن بلا تمييز، بلا إقصاء، بلا خوف.
إنها لحظة تعبير عن وجدان الثورة السودانية التي طالبت بالحرية والعدالة والسلام. ولعل هذا الخطاب يهز الأوساط السياسية والإعلامية، لأنه لم يكتف بالحديث عن السياسة، بل استحضر ذاكرة الدماء والتضحيات، ووضعها كأرضية لتدشين مرحلة جديدة من تاريخ السودان.
السودان اليوم على أعتاب تأسيس جديد، وأمام مسؤولية كبرى: أن يتحول هذا الخطاب إلى برنامج عمل وواقع معاش، وأن تترجم وعود حكومة السلام إلى أفعال تنهي الحرب، وتفتح أبواب الحرية والتنمية والمواطنة المتساوية لكل السودانيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى