أداء الحكومة هو ما يفرض الاعتراف الدولي، والذي يملك الشرعية والرؤية والجماهير
كثيرون يعتقدون أن حكومة (تأسيس) كأنما تدعو للانفصال ولكن…
الخرطوم دفعت الثمن الأكبر في حرب أبريل وأكبر خطأ ارتكبه هؤلاء إشعال الأزمة وسط العاصمة
(علمنة) الدولة نقطة مهمة تجعل المواطنة حقيقية وعلى مسافة واحدة من الجميع.
حميدتي وجدته أصدق سياسي تعاملت معه وأراهن من الآن بأن التعايشي سيكون أفضل رئيس وزراء
الخرطوم لديها خصوصية كعاصمة سوف تدار بوضع مدني مستقل، ولكن…
العهد السابق أحدث تشويهًا كبيرًا واستغل الدين في السيطرة على المجتمع، ولكن…
أول قرار سأتخذه بعد التكليف هو إعادة بناء الكنيسة الخمسينية التي هدمتها السلطات في الخرطوم
عندما نستعيد الوطن كاملًا ستكون هناك مدن قد قامت ولديها ركيزة اقتصادية كبيرة
اندهشت لصدور الاشاوس بتميزها (٣) مرات في الأسبوع بلا مقر ومن تحت الأشجار !
فارس النور، اسم يفرض نفسه أينما حلّ، رجل مرتب في فكره صاحب رؤية ثاقبة وأخلاق رفيعة، وثائر حمل راية النضال منذ البدايات. لم ينجر وراء الشعارات الجوفاء، بل اختار طريقه بعناية، فكان من الذين آمنوا بالصدق معيارًا في السياسة، ولذلك لم يتردد في العمل إلى جانب القائد محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي وجده أصدق السياسيين وأكثرهم وضوحًا في الرؤية على حد قوله.
فارس النور عرفه الوسط السياسي كبيرًا للمفاوضين من جانب قوات الدعم السريع في مواجهة وفد الجيش، حيث أدار الحوارات بحكمة وهدوء وصبر، ليبرهن أنه رجل دولة بامتياز. وبينما تعصف بالوطن الأزمات، يطل فارس النور متفائلًا بغدٍ مشرق، واثقًا بأن السودان قادر على النهوض من جديد، إذا ما صدقت النوايا ووُضعت المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.
صحيفة (الاشاوس) التقته في مقابلة صحفية فريدة كشف خلالها ملامح من مشوار سياسي ، بات الآن في أعلى سلم الحكم ، عضوا للمجلس الرئاسي ، حاكم الخرطوم ، فالي مضابط الحوار :
مبروك أستاذ فارس النور ثقة (تأسيس) في اختياركم حاكمًا للخرطوم وقد أديتم القسم أمام رئيس المجلس؟
أولًا: أشكر تحالف (تأسيس) على الثقة. قبولي بالتكليف اعتبرته واجبًا وطنيًا، خصوصًا في ظل الحرب القائمة الآن. هناك نقطة مهمة جعلتني أقبل التكليف، وهي أن كثيرين يعتقدون أن حكومة (تأسيس) كأنما تدعو للانفصال. قبولي دليل على أن حكومة (تأسيس) هي حكومة وحدة. هذه واحدة من أهم الدواعي التي جعلتني أقبل التكليف. إن شاء الله نستطيع أن نقدم ما يفيد الناس.
خصوصية المنصب تجعله حملًا كبيرًا عليك. وهل كان هناك أخذ ورد في قبول التكليف؟
نحن ملتزمون بـ(تأسيس) كمشروع للحل للازمة منذ الاستقلال. كل الحروب والمشاكل التي تنفجر في كل مرة سببها أنه لا توجد حلول جذرية. لم تقدم أي جهة حلولًا جذرية. عندما أتينا أسسنا لميثاق (تأسيس) وللدستور. نؤكد بأنه لم تأتِ وثيقة منذ الاستقلال خاطبت مشاكل الشعب السوداني سوى وثائق (تأسيس). بالتالي بعد هذا نكون مثل الجندي في المشروع، إذا طُلب منه أن يكون في أي موقع يُلبّي، لأن المشروع هو المخرج للسودان وفشله هو دمار السودان. من هذا المنطلق لم يكن لدي أي تردد.
ما بين الحكومة، العاصمة التائهة الآن، والعاصمة الجديدة للحكومة مدينة نيالا… بعد أكثر من عامين ونصف وأنت اليوم حاكم؟
واحدة من أهم ركائز دستور (تأسيس) أنه يدعو إلى اللامركزية. أفتكر أن الخرطوم تظل هي الرمز، وإن شاء الله ترجع إلى حضن الوطن وتتشكّل بحيث يتشكل كل السودانيين. لكن هذه فرصة. في عهد الإنقاذ حتى الخرطوم كمدينة تريّفت، والريف انتهى تمامًا. الآن هذه فرصة لتحدث تنمية متوازنة في كل السودان. عندما يستعيد الناس الوطن كاملًا ستكون هناك مدن قد قامت ولديها ركيزة اقتصادية كبيرة وحكم لا مركزي، وبالتالي تصبح أي مدينة صالحة لتكون عاصمة.
الخرطوم تأثرت كثيرًا بالحرب، ماذا بشأن (الكيماوي) الذي أثبتته التحاليل؟
الخرطوم دفعت الثمن الأكبر في هذه الحرب، وحدث فيها تدمير شامل. أكبر خطأ ارتكبه هؤلاء أنهم أشعلوا الحرب في وسط العاصمة، حيث الكثافة السكانية عالية جدًا. دُمّرت البنية التحتية، لكنني أرى أن التحدي فرصة لإعادة بناء الخرطوم على أسس حديثة. الناس كانوا يعانون من ضعف الخدمات والطرق. أما موضوع (الكيماوي)، فقد أثبتته التقارير الدولية، والعقوبات فُرضت على قادة الجيش. الخرطوم تحتاج إلى خبراء دوليين لمعالجة هذه الكارثة، لأن السلاح (الكيماوي) قد يترك آثارًا كبيرة وتشوهات لأجيال كاملة. لذلك لا بد من خطة شاملة للتخلص منه بطريقة لا تضر سكان الخرطوم.
آثار مخلفات الحرب غير البنيوية تبقى مشكلة قائمة؟
نعم، أهم نقطة هي إعادة اللحمة الاجتماعية، لأن النظام السابق عمل على بث الكراهية وسط الشعب السوداني. لا بد من عمل تعافٍ اجتماعي، يسبقه وضع خطة طارئة تعالج ما بين الاستراتيجي والعاجل. أوافق أننا بحاجة إلى اختصاصيين في المجالات الاجتماعية والنفسية لمعالجة الآثار التي تضرر منها الناس، حتى الأطفال الذين حضروا الحرب.
الاعتراف الدولي بالحكومة… تحدٍّ يخشاه البعض؟
أعتقد أن أداء الحكومة هو الذي يفرض الاعتراف بها؛ الحكومة التي تملك الشرعية والرؤية والجماهيرية والحلول الجذرية. العالم يعرف أن هناك اليوم حكومة تمثل كل السودان وتشبه العالم المتحضر، في مقابل حكومة إرهابية تريد إعادة النظام القديم وتشكل مصدرًا للإرهاب وتهديدًا للدول المجاورة. لذلك نحن نتجه للتعامل مع شعبنا، ومن خلال هذا التعامل يأتي الاعتراف الدولي.
أراك مطمئنًا؟
نعم، مطمئن تمامًا.
أنت حاكم لإقليم خارج السيطرة، كيف سيكون الحال؟
لا أعتقد أن السيطرة العسكرية هي كل شيء. ما يهم هو امتلاك الرؤية. المسيطرون مجرد عصابة تقتل أبناء السودان وتصف بعضهم بالغرباء. هذه لحظة عابرة، وفي النهاية يسود الحق والخير، وسيعي الشعب السوداني مصالحه. لقد عاش فترة طويلة تحت حكم الإنقاذ ورأى إلى أين أوصله، وعندما فقدت السلطة لم تتردد في إشعال الحرب، كما لم تتردد من قبل في فصل الوطن. هذا دليل على أن حكومة (تأسيس) تسعى للوحدة.
مؤكد أن لديك ترتيبات. ما هي أول القرارات التي ستتخذها؟
أعلنت في وقت سابق، عند الترشيح، أن ظلمًا كبيرًا وقع على الإخوة المسيحيين بهدم الكنيسة الخمسينية في منطقة الحاج يوسف بالخرطوم. قبل التكليف نددت بالواقعة، لكن بعد التكليف شعرت أن أول ما يجب فعله هو إعادة بناء الكنيسة ومنحهم قطعة أرض دائمة، على نفقة الحكومة. هذا مؤشر كبير أننا إخوة في وطن واحد، بمختلف أدياننا وأعراقنا، وأن الوطنية لا تُمس.
بعد ذلك ستكون هناك خطط بالمشورة مع جميع أهل الخرطوم، لنحدد معًا ما تحتاجه العاصمة في الصحة والتعليم والبنية. الآن مثلًا: القيادة العامة للجيش تحتل قلب الخرطوم، بينما يمكن أن يتحول المكان إلى (داون تاون) أو (هايد بارك)، منتزهات ومؤسسات حديثة. كذلك سنعيد حديقة الحيوان التي دمرها النظام السابق وباعها، والمتحف القومي، ليكون كل ذلك على أسس حديثة بخبرات دولية مع أبناء الخرطوم. بعدها سنجذب الشركاء والمستثمرين الدوليين.
لا ننسى أن الخرطوم تقع في مقرن النيلين، ما يجعلها معلمًا سياسيًا وسياحيًا عالميًا. أذكر أن وزير خارجية من دولة خليجية زار السودان وطلب التوجه إلى مقرن النيلين، لكن عندما حاولوا العبور إلى توتي وجد المكان غير لائق وهناك تبول!، فعاد بانطباع سلبي. لذلك لا بد أن نحول هذا الموقع إلى معلم سياحي عالمي.
شخصيات قيادية… ماذا تقول عنها؟
الرئيس حميدتي: عملت معه كمستشار. كثيرون اندهشوا كيف أنني، كأحد الثوار، أصبحت مستشارًا له. لكن قبل ذلك تجولت على كل القادة السياسيين أبحث عن حزب أنتمي إليه، فلم أجد شخصًا يملك رؤية مثل حميدتي. وجدته الأكثر صدقًا ووضوحًا، لذلك لم أتردد في العمل معه.
محمد حسن التعايشي: شاب جاء من رحم الثورة. مر بكل أنواع النضال السياسي وعرف كل الخيبات. كان عضوًا في المجلس السيادي، ورأى كيف يفقد السودان رجالات الدولة الحقيقيين. أعتقد أن التعايشي رجل دولة حقيقي، رؤيته واضحة وهدفه محدد، يعرف مصالح شعبه وكيف تتحقق. لذلك أقول منذ الآن إنه سيكون أفضل رئيس وزراء، وسنرى خلال السنة الأولى ما سيفعله.
رسالة لمواطنيك؟
قبل الرسالة، دعني أشكر صحيفة (الأشاوس) التي أصبحت خلال فترة وجيزة رقما ومنبرًا حاضرًا رغم قلة الإمكانيات، حيث تصدر ثلاث مرات أسبوعيًا دون مقر، ومن تحت الأشجار. أشكرهم وأرجو أن يوردوا حديثي هذا.
رسالتي للمواطنين السودانيين عامة: نحن كسودانيين يجب ألا نكرر الأخطاء التاريخية، وألا ننخدع بشخصيات تدغدغ مشاعرنا بالشعارات والأيديولوجيا والأحلام الوهمية. ضعوا مشروعكم كمواطنين، وحاسبونا وراقبونا، وانظروا إلى أدائنا.



