الرئيسيهمقالات

محمود كاربينو يكتب: بارا فخ استراتيجي لتفكيك قيادة الطغيان

معركة بارا تمثل اختباراً استراتيجياً حاسماً في الصراع الجاري بين (الأشاوس) وقوات الطغيان ، إذ لم تُخض للسيطرة على المدينة وحدها بل لتحويلها إلى مسرح استنزاف قيادي وتحكيم المبادرة في ميدان المعركة ، دخول قوات جيش الحركة الإسلامية إلى بارا بدا حركة تكتيكية انتصارية لكنه في الحقيقة جزء من خطة محكمة تسمح للأشاوس بإعادة رسم خارطة العمليات ، حيث يُستغل تقدم العدو الظاهر ليقع في مصيدة مدروسة تستنزف قواته وتكشف خلاياه النائمة وتعرض قياداته المباشرة للاستهداف.
تحييد المرتزق الميداني البارز محمد إبراهيم أرباع أحد أبرز قادة قوات المشتركة ومنسق العمليات في كردفان يمثل نجاحاً استخباراتياً واستراتيجياً كبيراً ، فقد كان أرباع العمود الفقري للعدو في إدارة المعارك والتخطيط الميداني وتحييده يُضعف قدرة الجيش على اتخاذ القرار ويقطع أحد أهم أعمدة التنظيم ، مما يجعل جيش الطغيان بلا قيادة حقيقية ويضعف صلابته الداخلية.
استراتيجية الأشاوس القائمة على الانفتاح والانقباض أثبتت فعاليتها، فالانسحاب التكتيكي المدروس لم يكن تراجعاً بل إعادة تموضع ذكية تسمح بجر العدو إلى بيئة مألوفة للأشاوس ، وتشتيت تركيزه على جبهات متعددة وإرهاقه من الداخل قبل أي مواجهة فعلية، دخول العدو إلى بارا كشف خلاياه النائمة وأجبر قياداته على التحرك المكشوف ، ليصبح تحييد أرباع دليلاً عملياً على نجاح الخطة التي تجمع بين الحكمة الميدانية والدقة الاستراتيجية ورؤية بعيدة المدى.
الأبعاد الاجتماعية والسياسية للمعركة أظهرت أهمية هذا التحييد فمع سقوط القادة الميدانيين مثل أرباع تنهار التحالفات العشائرية والسياسية التي يعتمد عليها العدو ، وتفقد قواته الدعم الاجتماعي والغطاء الشعبي ليصبح الجيش معرضاً للضغط والانهيار من الداخل والخارج معاً.
إن بارا لم تُفتح لمعركة مواقع فحسب بل لتحويلها إلى مصيدة استنزاف للقيادة وفضح منظومة القرار للعدو بحيث تصبح كل حركة للعدو تحت السيطرة والمراقبة، وكل تحرك محسوب عليه تحييد المرتزق أرباع لم يكن خسارة للقتال بل نصر استراتيجي وعلامة على تفوق الأشاوس ليصبح هذا الحدث شاهداً على أن السيطرة على المبادرة واستخدام الاستراتيجية الذكية أهم من مجرد السيطرة على الأرض.
معركة بارا وتحريك القيادة العليا للعدو نحو الانكشاف يرسخان رؤية استراتيجية شاملة تجمع بين البعد الميداني والاستخباري والسياسي ، وتؤكد أن المعركة ليست صراعاً مؤقتاً بل مسار طويل النفس نحو الانتصار النهائي حيث يصبح انهيار قيادة الطغيان نتيجة طبيعية لتخطيط الأشاوس وحسن إدارة المبادرة ، وتأكيداً على أن النصر الحقيقي لا يقاس بالمدن فقط بل بقدرة الأشاوس على كسر منظومة القرار للعدو وإعادة رسم قواعد المعركة بما يخدم الحرية والاستقرار والعدالة على الأرض.
إن بارا ليست مجرد نقطة على الخريطة بل تجربة استخباراتية واستراتيجية نموذجية ستشكل الأساس للمعارك المقبلة ، التحرك الذكي للأشاوس والقدرة على استنزاف القيادة المعادية وتوجيه المبادرة يضعان الأسس لاستعادة المدن الأخرى المحتلة مستقبلاً ، ويؤكدان أن التحكم في زمام المعركة لا يقاس بالسيطرة الجغرافية وحدها بل بالتخطيط الدقيق وقيادة العمليات بذكاء وتحويل كل خطوة للعدو إلى فرصة للنصر النهائي ، هذه الرؤية المستقبلية تجعل بارا نموذجاً يُدرس في إدارة الصراع طويل النفس ويثبت أن الإرادة الاستراتيجية للأشاوس هي العامل الحاسم الذي سيقود إلى حسم الصراع بالكامل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى