الرئيسيهسوما المغربيمقالات

تأسيس تعيد كتابة العقد الاجتماعي في السودان

سوما المغربي

نحو سودان جديد يقوم على الشراكة والعدالة ورحلة من الهامش إلى المتن هي إعادة تعريف القومية في السودان من خلال حكومة التأسيس.
القومية الحقيقية ليست شعارات مفرغة ولا احتكارًا للهُوية، بل هي شعورٌ عميق بالانتماء المشترك، يُعلي من قيمة التنوع ويضمن العدالة للجميع. هي حين يشعر كل فرد، من المركز إلى أقصى الهامش، أنه شريك أصيل في الوطن، له صوت وكرامة ومكان تحت شمس الدولة.
لطالما ظلّت القومية في السودان حبيسة التنظير، محصورة بين المركز وحلقاته الضيقة، تُرفع كشعار وتُفرّغ من مضمونها العملي، لكن اليوم، ومع ولادة حكومة تُعلِن أن مشروعها يبدأ من خارج المركز، من قلب المعاناة والتهميش، صار للكلمة وجه، وصار للحلم هيكلٌ يرتجف بين الضلوع، يحاول أن يستقيم على قدميه.
في لحظة فارقة من تاريخ السودان، وفي زمن تتقاطع فيه الجراح مع الرجاء، ولدت حكومة التأسيس لا بوصفها كيانًا سياسيًا فقط، بل كمفهومٍ عميق، نفث في رئة الوطن نَفَسًا جديدًا، وفي شعوب الهامش تحديدًا نفحات من المعنى والاعتراف طال انتظارها.
حكومة التأسيس أعادت ترتيب الخرائط الذهنية، وبعثت في وجدان شعوب الهامش شعورًا بالجدارة والانتماء، لم تعد القومية مرتبطة بالعاصمة، بل بكل مدينة وقرية وشِبر سالت عليه دماء التضحية. لم يعد الهامش مجرد جغرافيا بعيدة، بل صار قلب المعادلة الوطنية.
التأسيس ليس انتقالًا سلطويًا فحسب، بل إعادة تعريف للذات الوطنية. لأول مرة، يبدأ مشروع الدولة لا من النُخب بل من القواعد؛ لا من المكاتب المكيّفة، بل من رائحة الأرض وملح العرق وأصوات المهمّشين الذين ظلوا لعقود وقودًا للحرب، لا شركاء في الوطن.
إن هذا التحول، رغم ما يكتنفه من تحديات، يُمثّل نُقطة ارتكاز لتأسيس سودان جديد، سودان لا يُدار بمنطق الغلبة، بل بمنطق الشراكة والرؤية الجماعية، حيث تُعاد كتابة العقد الاجتماعي بروح العدالة والندية، لا التبعية والخضوع.
ما أطلقته حكومة التأسيس من رسائل رمزية وسياسية قد حرك ساكن الخيال السياسي، وحرض العقول على الحلم بدولة تُشبه أهلها، تُشبه تنوعهم، وأوجاعهم، وقوتهم.
فالقومية ليست خطابًا رومانسيًا، بل فعل تأسيسي؛ تبدأ حين يشعر أبناؤها، جميعهم، أنهم معنيّون بها وحين يحدث ذلك، يتحول الوطن من ساحة صراع إلى ساحة بناء وهذا، ربما، ما بدأت تهمس به رياح التغيير القادمة منذ بداية طريق النضال نحو الديمقراطية والعدالة والمساواة.

سوما المغربي
سبتمبر٢٠٢٥

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى