
انعقد أول لقاء يجمع بين السلطتين: الرئاسية والتنفيذية لحكومة السلام والوحدة، في بادرة جسدت عمقَ أهداف الحكومة وارتباطَها بقيم الشعب وتلاصقَها مع البسطاء والعامة وغمار الناس الذين لم تهتم بهم حكومة من قبل. مثل الاجتماع لقاءً نوعياً في كل شيء من حيث البساطة والراحة وانعدام المظاهر الباذخة لشهوة السلطة؛ إذ عُقد الاجتماع الأول على رصيف أحد الأودية خارج الغرف المغلقة، إيذاناً بماهية الحكومة التي تكونت بأمر الجماهير وتعود إليهم وتمثل إنسانهم بكل وضوح وشفافية، التي افتقدتها أروقة السلطة وحكوماتٍ ما بعد الاستقلال وريثةَ الاستعمار في دولةٍ 56، والتي تُفكّك الآن بالعمل والجهود المخلصة من حكومة تأسيس التي تسعى إلى تغيير مفاهيم السلطة وسطوتها الغاشمة. حيث تبدأ مفاهيم جديدة للسلطة أكثر تماسّاً مع الجماهير وتشبههم، مستلهمةَ التراث (الـ«ضرا») ومطورةً له، في سابقة تؤكد عودة السلطة إلى حضن الجماهير بعد اغتراب طويل.
استكمال الحكومة ..
ومن الجانب الآخر، يعني الاجتماع الأول المشترك بين المجلسين (الرئاسي والتنفيذي) لحكومة تأسيس اجتماعاً بالغ الأهمية لمناقشة أوضاع استكمال الحكومة والملفات الهامة التي تنظرها في ظل أوضاع بالغة التعقيد نتيجة الحرب المفروضة من قبل متشددي الحركة الإسلامية ومنازعة الشرعية لحكومة الأمر الواقع، وما تختزنه هذه القضية من ارتباطات خارجية في التواصل مع المجتمع الدولي وإقناعه بعدالة قضيتها وبشرعية تمثيل الشعب السوداني والقيام بمهامها في تسيير دولاب الدولة. كما وُضعَت الترتيبات النهائية لتكملة الأجهزة الدستورية والتشريعية للحكومة؛ كل ذلك منوطٌ بمخرجات هذا الاجتماع التي تنعكس أهميتها في صُلب هذه القضايا والملفات العاجلة لإنجاز تكوين الدولة المنشودة.
حياة الناس تتصدر الأجندة…
يرى عدد من المتابعين والخبراء الاستراتيجيين أن أهمية الاجتماع تتجلّى في الملفات التي سيواظب على مناقشتها، والتي قد تقود إلى انتقالٍ في قضايا المواطنين وهمومهم واحتياجاتهم الضرورية التي حُرِموا منها على يد حكومة الأمر الواقع؛ من أوراق ثبوتية وحقوق دستورية وإعانات اجتماعية، إلى تخريب البنية التحتية والمرافق الخدمية عبر قصف طيران الفلول الممنهج والمقصود، مما يلقي عبئاً إضافياً على حكومة تأسيس. ولهذا يعطي الاجتماع الأول المشترك بين المجلسين الرئاسي والوزاري أهمية بالغة نتيجة ارتباطه المباشر بحياة الناس وتطوير الدولة وتأسيسها وفق مفاهيم العدالة والحرية والسلام، وتحقيق آمال الشعب في دولة كريمة لا تُمسّ حقوق مواطنيها الدستورية ولا تزرع الفرقة بينهم بتأليب بعضهم على بعض؛ على عكس منهج حكومة الأمر الواقع واستخباراتها العسكرية التي أدمنت سياسة التفرقة بين القبائل والمجموعات المتجاورة وهتك نسيجها الاجتماعي بسياسة «فرّق تسد» لتظل متحكّمة في مصائر الشعوب. الآن تبدأ هذه الشعوب تحررها من خلال ما يقوله الاجتماع وما لا يقوله، حيث يمثل الأمل والبشارة التي حلموا بتحقيقها طويلاً وقاتلوا من أجلها سنينًا، وها هم الآن يجنون ثمار جهدهم وتضحياتهم بالدماء والدموع.