
بقلم: علي الماحي
في ظل الظروف الصحية المعقدة التي تمر بها مناطق دارفور وكردفان، تبرز قضية المستشفيات والمرافق الطبية كواحدة من أكثر الملفات إلحاحاً وأهمية. فالصحة ليست ترفاً يمكن تجاوزه أو تأجيله، بل هي أساس الحياة الكريمة وحق أصيل لكل مواطن. ومع ذلك، ما تزال الأوضاع داخل المستشفيات في تلك الأقاليم تعكس واقعاً مقلقاً يهدد حياة المواطنين ويقوّض ثقتهم في المؤسسات الصحية.
عند زيارة أي مستشفى في دارفور أو كردفان، يلاحظ المرء منذ الوهلة الأولى حجم التدهور في البيئة الصحية: ممرات مزدحمة بالمرضى وذويهم، نفايات طبية ملقاة من دون معالجة سليمة، غرف مياه تفتقر إلى الحد الأدنى من النظافة، وانعدام شبه تام لوسائل التعقيم والتهوية. هذه المشاهد لا تعكس صورة مؤسسة تقدم خدمة إنسانية، بل تثير المخاوف من أن تتحول المستشفيات نفسها إلى بؤر لنقل الأمراض المعدية بدلاً من أن تكون أماكن للعلاج والشفاء.
من أبرز المشكلات التي تواجه تلك المستشفيات ضعف الاهتمام بالصحة الأولية. فبدلاً من أن تكون النظافة العامة والتعقيم أولوية يومية، تحولا إلى أمر ثانوي لا يحظى بالاهتمام الكافي. المواطن الذي يلجأ إلى المستشفى طلباً للعلاج يجد نفسه يصطدم بواقع غير إنساني، حيث المرافق الصحية داخل المستشفيات ـ من دورات المياه إلى أماكن الانتظار ـ غير صالحة للاستخدام، مما يفاقم معاناته ويزيد من احتمالية تعرضه لأمراض إضافية.
ويشتكي الكثير من المواطنين من أن دخول دورات المياه داخل بعض المستشفيات يمثل مغامرة حقيقية؛ فهي إما مغلقة أو غير صالحة، وفي حال كانت متاحة فإنها تفتقر إلى المياه الجارية والصابون وأدوات التنظيف الأساسية. كيف يمكن لمريض يبحث عن العلاج أن يثق في مؤسسة لا تحافظ حتى على الحد الأدنى من بيئتها الداخلية؟ هذه الأسئلة تطرح نفسها بقوة وتحتاج إلى إجابة عملية من المسؤولين.
المخلفات الطبية بدورها تمثل خطراً مضاعفاً. ففي غياب آليات فعّالة لجمعها والتخلص منها وفق المعايير الصحية العالمية، تتحول إلى مصدر للتلوث البيئي وانتقال العدوى. الأدوات الحادة والمستهلكات الطبية الملوثة غالباً ما يتم التعامل معها بطرق بدائية، مما يشكل تهديداً مباشراً للعاملين في القطاع الصحي وللمجتمع بأكمله.
إن الحاجة ماسة اليوم إلى تحرك عاجل من وزارة الصحة في حكومة السلام والوحدة، لمراجعة أوضاع المستشفيات في دارفور وكردفان، وإطلاق خطة متكاملة لإصلاح البيئة الصحية. الإصلاح لا يتطلب فقط تحديث البنية التحتية وتوفير المعدات الطبية، بل يبدأ من أبسط الإجراءات: الاهتمام بالنظافة اليومية، تدريب الكوادر على أساليب مكافحة العدوى، وضمان أن تكون المرافق الصحية في حالة تسمح باستخدامها الآمن.
الصحة العامة ليست مجرد ملف إداري، بل هي قضية إنسانية تمس حياة كل مواطن. ومهما كانت التحديات الاقتصادية والسياسية، فإن الحفاظ على بيئة صحية داخل المستشفيات يجب أن يكون على رأس الأولويات. فالمواطن الذي يضع ثقته في المؤسسات الطبية يستحق أن يجد مكاناً نظيفاً، خالياً من المخاطر، يليق بكرامته الإنسانية ويضمن له حقه في العلاج الآمن.
–