
في خضم المعارك والعمليات، تتناقل بعض المنصات ومجموعات التواصل الاجتماعي صور الشهداء والجرحى وكأنها انتصارات تُوثَّق، بينما في الحقيقة هي ثغرات إعلامية يُستغلُّها العدو ليبني عليها دعايته ويستمدُّ منها دفعاتٍ معنويةً هو أحوج ما يكون إليها.
إن ما يقوم به البعض — دون قصد — من نشر صور أبنائنا الجرحى أو مشاهد شهدائنا الأبرار، لا يُحتسب نصراً ولا يُعدُّ تخليداً، بل هو انتقاص من معنويات الجنود الصامدين في ميادين القتال. هؤلاء الرجال يعرفون تمامًا أن طريقهم محفوفٌ بالتضحيات، ويدركون قبل أن يخرجوا من بيوت أهلهم أن التوقيع على شهادة الاستشهاد جزءٌ من عقيدتهم وإيمانهم بدفاعهم عن القضية. فهم لم يخرجوا ليعودوا متباكين على خسائرهم، بل خرجوا بعزيمة خيارين: حياةٌ فوق الأرض بعزة وكرامة، أو شهادةٌ تحت الأرض بشرف وكرامة خالدة.
ولأن الحرب بطبيعتها لا تخلو من إصابات أو شهداء أو أسر أو فقدان، فإن التعامل مع هذه الأحداث يجب أن يكون بوعيٍ وانضباط، لا بتسرعٍ وعاطفة. إن نشر مثل هذه الصور والمقاطع يمنح العدو ما لا يستحق: انتصارًا معنويًا مجانيًا. ونحن أحوج ما نكون اليوم إلى رفع المعنويات، وتعزيز الثقة، وترسيخ روح الصمود في نفوس مقاتلينا ومجتمعنا على السواء.
من هنا نهيب بمشرفي المجموعات والمنصات الإعلامية أن يكونوا على قدر المسؤولية:
أي محتوى يتضمن صور شهداء أو جرحى يجب أن يُحذف فورًا.
الناشرون لمثل هذه المواد يجب تنبيههم وتوجيههم.
الوقت ليس للنحيب والبكاء، بل لمضاعفة الصبر، وتثبيت الصفوف، وبث روح النصر.
الشهداء الذين نودعهم اليوم هم مشاعل على طريق التحرير والعزة، ودماؤهم زادٌ لنا لا وسيلة ابتزازٍ للعدو. فلا نسمح أن تتحول تضحياتهم إلى مادة إعلامية يقتات عليها خصومنا. إن النصر الحقيقي ليس في نشر الصور، بل في الانضباط والوعي، وفي حفظ هيبة الدماء الطاهرة التي روت الأرض.
فلنكن على قدر التحدي، ولنغلق الأبواب التي يتسلل منها العدو ليصنع لنفسه انتصاراتٍ لا يملكها.