إدانة كوشيب بجرائم حرب ضد الإنسانية.. هل تضع حدًّا لعدم إفلات مجرمي نظام الإنقاذ؟

ردود أفعال واسعة على خطوة المحكمة الجنائية الدولية
الحكم لا يُعدو إلا إدانة رمزية للمنفّذ لمخطط نظامٍ بكامله
تقرير: سوما المغربي
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، يوم الإثنين، حكمًا بإدانة علي عبد الرحمن، المعروف بـ«علي كوشيب». القرار الصادر بحق كوشيب لا يُعدّ إلا إدانة رمزية لنظامٍ بأكمله؛ إذ يُمثّل كوشيب مجرد منفّذ صغير في سلسلةٍ كبيرة من المتورّطين الحقيقيين الذين أصدروا الأوامر وخطّطوا للجرائم والانتهاكات التي طالت الأبرياء في دارفور. إن العقوبة التي طالت المنفّذ يجب ألّا تُغلق الباب أمام ملاحقة القيادات السياسية والعسكرية للنظام البائد؛ فالمساءلة يجب أن تكون شاملة، ابتداءً من رأس السلطة آنذاك وصولًا إلى كل من تلطّخت يداه بدماء المدنيين أو ساهم بالصمت والتستر.
رحبت حكومة التأسيس بهذا القرار واعتبرته خطوة أولى في طريق تحقيق العدالة الانتقالية. كما عبّر حاكم إقليم دارفور، الدكتور الهادي إدريس، عن دعمه الكامل لأي تحرّك دولي يُفضي إلى محاسبة مرتكبي الجرائم في دارفور. في ذات الوقت، تؤكد حكومة التأسيس على ضرورة استكمال هذا المسار بتقديم قائمةٍ شاملةٍ بالمجرمين الحقيقيين الذين ظلّوا في الظل لعقود وأفلَتوا من العقاب تحت غطاء الحصانة أو بالتواطؤ.
إدانة كوشيب..
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية حكمًا على «كوشيب»، الذي يُعدّ أحد خمسة سودانيين تتهمهم المحكمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية في إقليم دارفور غرب السودان. قرّرت المحكمة أن كوشيب مسؤول عن ارتكاب جرائم عدة، بينها الاغتصاب والقتل والتعذيب، وقعت في دارفور بين عامَي 2003 و2004. وإلى جانب كوشيب تتهم المحكمة أربعة أشخاص آخرين بالضلوع في تلك الجرائم، وهم الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، ووزير الداخلية أحمد محمد هارون، بالإضافة إلى عبد الله بنده، لكن كوشيب هو الوحيد منهم الذي سلّم نفسه طوعًا.
من هو علي كوشيب؟
كوشيب، أحد زعماء القبائل العربية في دارفور، وُلد في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي بمنطقة وادي صالح بغرب دارفور، ونشأ واستقرّ في مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، تحديدًا في منطقة تُعرف باسم «الخرطوم بالليل». انخرط في العمل العسكري والتحق بقوات شرطة الاحتياطي المركزي، المعروفة شعبيًا باسم «أبو طيرة»، وهي القوة التي استخدمها نظام الرئيس المعزول لمواجهة الحركات المتمردة في إقليم دارفور، بعد أن تم تدريبها وتسليحها بأسلحة ثقيلة على غرار الجيوش النظامية. كما انضمّ كوشيب إلى قوات «الدفاع الشعبي» وهي قوات شبه عسكرية أنشأتها حكومة البشير أيضًا لمواجهة التمرد المسلح.
ارتبط اسم كوشيب بتشكيل عدد من الميليشيات التي قام بتسليحها ودفعها إلى القتال ضد القوات المتمردة، التي كان أغلب قادتها وجنودها ينتمون إلى قبائل مثل الزغاوة والفور والمساليت. قاد كوشيب عددًا من الحملات في منطقة وادي صالح بغرب دارفور، بعد أن تمّ تعيينه لقيادة العمليات العسكرية هناك من قبل وزير الداخلية آنذاك أحمد هارون. وفي أبريل 2013 شنّ هجومًا واسعًا بمشاركة قوة من جهاز المخابرات والقوات الخاصة على منطقة رهيد البردي في جنوب دارفور؛ أسفر الهجوم عن مقتل مئات المدنيين وتعرّض عدد من النساء لعمليات اغتصاب وعنف جنسي، إضافةً إلى حرق المنازل ونهب المواشي والمحاصيل الزراعية، بحسب تقارير وثّقتها منظمات حقوقية.
جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق علي كوشيب عام 2007. وفي 27 أبريل 2007 أصدرت الدائرة الابتدائية في المحكمة أمر قبض بحقه بعد أن وُجّهت إليه لائحة اتهام تضمنت 50 تهمة تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ظلّ كوشيب متوارٍ عن الأنظار بعد صدور أمر الاعتقال، لكنه بعد سقوط نظام البشير في عام 2019 سلّم نفسه طواعية إلى المحكمة في عام 2020؛ إذ وصل إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، التي تقع على الحدود مع ولاية غرب دارفور، قبل أن تنقله مروحية تابعة للأمم المتحدة من الحدود إلى العاصمة بانغي، ومن هناك تمّ ترحيله إلى لاهاي في هولندا.
محاكمة الجنائية الدولية لكوشيب
عند مثول كوشيب أمام القضاة، وُجّهت إليه المحكمة 31 تهمة تتعلق بجرائم الحرب والإبادة الجماعية في إقليم دارفور، ارتُكبت بين أغسطس 2003 وأبريل 2004، بحسب لائحة الاتهام.
الأمم المتحدة ومكتب حقوق الإنسان
رحّب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالإدانة التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد علي محمد علي عبد الرحمن («علي كوشيب») لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور خلال الفترة بين عامَي 2003 و2004. وقال سيف ماغانغو، المتحدث باسم مكتب حقوق الإنسان: «إن إدانات الدائرة الابتدائية في المحكمة الجنائية الدولية تمثّل اعترافًا مهمًا بالمعاناة الهائلة التي تكبّدها ضحايا جرائمه البشعة، كما تمثّل أول إجراء للإنصاف — طال انتظاره — للضحايا ولأحبائهم». وأضاف: «تؤكد هذه الأحكام الأهمية المستمرة للمحكمة الجنائية الدولية بصفتها محكمة الملاذ الأخير، عندما لا تكون هناك أي احتمالية لحدوث المساءلة على المستوى الوطني».
العدالة لا تموت ..
تمثّل إدانة علي كوشيب من قِبل المحكمة الجنائية الدولية رسالة واضحة وحاسمة لكل من ارتكب أو يخطط لارتكاب جرائم ضد المدنيين، بأن العدالة لا تموت بالتقادم، وأن يدّ القانون الدولي ستطالهم مهما طال الزمن أو تغيّرت المواقع. هذا الحكم ليس فقط تتويجًا لنضال الضحايا وذويهم، بل هو تذكير حيّ لمرتكبي الجرائم اليوم، بما في ذلك حالات استخدام أسلحة كيميائية في مناطق مأهولة بالمدنيين في عددٍ من المدن داخل ولايات السودان، إلى أن الإفلات من العقاب وهمٌ لن يدوم، والمحاسبة قادمة لا محالة؛ طال الزمن أو قصر. علي كوشيب اليوم، وغيرُه غدًا.