اخبارالرئيسيه

تحديات على ذاكرة الوطن (25) بقلم: عبدالعزيز ضاوي ثورة 21 أكتوبر.. ميلاد الوعي وسقطة الذاكرة

تحلّ علينا ذكرى ثورة 21 أكتوبر 1964، تلك اللحظة التاريخية التي فجّر فيها الشعب السوداني أول ثورةٍ شعبيةٍ ناجحةٍ في إفريقيا والعالم العربي، لتصبح علامةً مضيئةً في مسار الحرية والوعي الوطني.

لم تكن أكتوبر مجرّد انتفاضةٍ ضدّ حكمٍ عسكري، بل كانت ميلادًا لإرادةٍ جماعيةٍ جديدةٍ آمنت بأن الحرية تُنتزع ولا تُمنح، وأن الكلمة حين تصدر من ضمير الشعب أقوى من كل سلاح.

قاد الثورة الطلاب والمهنيون والعمّال، وتوحّدوا خلف مطلبٍ واحد: استعادة الكرامة الوطنية وبناء دولةٍ مدنيةٍ عادلة. وبفضل ذلك التلاحم النادر، أسقط السودان أول نظامٍ عسكريٍ في تاريخه الحديث، وفتح الباب أمام تجربةٍ ديمقراطيةٍ مبكرةٍ ألهمت الشعوب في المنطقة، وأثبتت أن الشعوب حين تتحد لا تُهزم.

من المجد إلى الانقسام
غير أن ما تلا النصر كشف عن هشاشة الوعي السياسي لدى النخب آنذاك؛ فبدل أن تتجه الجهود نحو ترسيخ قيم الثورة وبناء مؤسسات الدولة، انشغلت القوى السياسية بالصراع على المكاسب والمناصب.

تسلّل الخلاف إلى الصف الوطني، فتبدّد التوافق، وضاع جوهر الثورة بين شعاراتٍ لم تجد طريقها إلى الواقع. وهكذا تحوّل مجد أكتوبر إلى درسٍ مؤلمٍ في كيف تُهدر التضحيات حين يغيب الوعي بالمستقبل.

ورغم الخيبات، تبقى أكتوبر حيّةً في الوجدان الجمعي، رمزًا للشجاعة والكرامة الوطنية، ودليلًا على أن هذا الشعب قادرٌ على النهوض مهما تعثّر.

إنها ليست ذكرى تُروى فحسب، بل نداءٌ متجدّدٌ لبعث روح الاتحاد واستعادة الإيمان بالتغيير السلمي في مواجهة ما يعتري الحاضر من تحدّياتٍ وانقسامات.

فهل نستطيع اليوم أن نستعيد معناها الحقيقي ونُحيي قيمها الخالدة؟
أم نترك وهجها يخبو في ذاكرةٍ أثقلها الخلاف، حتى تغدو الثورة تاريخًا يُتلى، لا شعلةً تهدي الطريق؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى