بابنوسة.. آخر محليات غرب كردفان أمام تحدي التطهير من جيش الفلول
تقع محلية بابنوسة في قلب ولاية غرب كردفان، وتُعد من أكبر محليات الولاية من حيث المساحة، وتربط بين عدد من الطرق الحيوية التي تؤدي إلى مناطق الإنتاج النفطي، كما تتوسط الطريق الرابط بين دارفور، كردفان، والنيل الأبيض، وتضم منطقة السكة الحديدية القديمة، مما يجعلها نقطة لوجستية ذات أهمية عالية.
الأهمية الاستراتيجية..
تكتسب بابنوسة أهميتها من كونها مركز نقل وتموين أساسي للجيش، وموقعًا عسكريًا حساسًا لطالما استخدمته القوات التابعة للفلول كقاعدة لوجستية وقيادة ميدانية في عملياتها ضد المناطق المحررة، كما أنها قريبة من منشآت نفطية حيوية مثل حقل دفرة وبلوكات البترول غرب بليلة، ما يجعل السيطرة عليها خطوة متقدمة نحو تأمين موارد الدولة ومنع استغلالها من قبل عناصر النظام القديم.
دلالات التحرير ..
تحرير بابنوسة، يعني اكتمال حلقات السيطرة في غرب كردفان، وإغلاق بوابة رئيسية كانت تُستخدم لتغذية جيش الفلول بالمقاتلين والعتاد، كما يعكس تفكك قبضة الجيش في المناطق المتبقية التي ظلت تشهد اضطرابات بسبب بقايا النظام البائد.
دلالات التحرير تتجاوز الطابع العسكري إلى رسائل سياسية، بأن مشروع الدولة الجديدة بقيادة قوى التأسيس يمضي بثبات نحو إنهاء نفوذ النظام السابق في الأطراف، تمهيدًا لإعادة بناء مؤسسات الدولة على أساس السلام، الفدرالية، والعدالة.
الطبيعة والسياق المحلي
بابنوسة، الواقعة في غرب كردفان، ليست مجرد نقطة عسكرية على الخريطة، بل مدينة ذات طابع مدني وحيوي، يسكنها مواطنون من مختلف القبائل والتكوينات الاجتماعية. ظلت مركزًا للتعايش والتبادل التجاري بين كردفان ودارفور، وتاريخها مرتبط بمحطة السكة الحديدية القديمة، ما يمنحها رمزية عميقة في وجدان أهل الإقليم.
الحصار الطويل ..
لما يقارب العامين، خضعت بابنوسة لحصار متماسك فرضته قوات الدعم السريع، قطاع كردفان بقيادة العقيد صالح الفوتي، قائد عمليات كردفان ومتحرك “إنصاف الحق”، ورغم القدرة العسكرية على الحسم المباشر، فضّلت القوة المحاصِرة نهج الحكمة والتروي، واضعة سلامة المدنيين فوق أي اعتبارات عسكرية.
قائد المتحرك الفوتي تعامل بمسؤولية عالية، وفضّل منح الفرص المتكررة للجنود المحاصرين داخل الفرقة العسكرية بالمغادرة الآمنة أو الاستسلام، وهو ما تحقق تدريجيًا، حيث استسلم عدد كبير من الجنود خلال الأسابيع الماضية.
المدينة اليوم ..
بابنوسة الآن خالية من المدنيين تقريبًا، بعد أن استجابت الأغلبية لنداءات الخروج التي أطلقتها قيادة الدعم السريع لضمان سلامتهم، ما تبقى من المدينة هو غرفة عمليات عسكرية معزولة، باتت قاب قوسين من التحرير الكامل، في لحظة مفصلية تعني إسدال الستار على آخر معاقل الجيش في غرب كردفان.
التحدي الأخير..
بابنوسة هي التحدي الأخير في غرب كردفان، وتحريرها إعلان بأن زمن الحصار والتهميش قد ولى، وأن زمن السلام والتنمية آتٍ لا محالة، المدينة اليوم تختصر قصة الحرب والسلام في السودان، مدينة تم حصارها دون قصف، وأُعطي فيها الوقت للنجاة بدلًا من الفناء، ومع اقتراب تحريرها، تكتب هذه المدينة سطرًا جديدًا في مسيرة التغيير الحقيقي نحو سودان لا يُحكم بالقوة، بل بالحكمة والمسؤولية.



