سوما المغربي تكتب: «تأسيس».. مشروع التغيير في السودان
سوما المغربي
في ظل واحدة من أعقد المراحل التاريخية التي يمر بها السودان، وفي خضم حرب أنهكت البلاد وأفرغتها من مضامين الدولة، يبرز «تحالف السودان التأسيسي» كمشروع وطني بديل، يحمل رؤية متكاملة للتغيير الجذري، ويعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس جديدة قوامها القومية، والعدالة، والعلمانية، والمواطنة المتساوية.
ما يميّز «تأسيس» هو تجاوزه للاصطفاف الإثني والجهوي والعرقي الذي لطالما غذّته النخب التقليدية، وتبنّيه مفهوم القومية السودانية كإطار جامع لكل شعوب السودان. فالمشروع لا يرى السودانيين كمواطنين تابعين لهوية مركزية مفروضة، بل كشعوب متساوية في الحقوق والكرامة والانتماء، ما يجعله يتأسس على المواطنة بوصفها الهوية الجوهرية الوحيدة التي يجب أن تنظم العلاقة بين الفرد والدولة.
العلمانية كضمان لوحدة السودانيين
اتخاذ العلمانية كمرجعية دستورية في مشروع «تأسيس» لم يأتِ كترف فكري، بل كضرورة لحماية وحدة السودان، وضمان الحريات الدينية، وفصل الدين عن السياسة الذي كان على الدوام أحد مصادر الصراع والتمييز والهيمنة في السودان. فالتجربة التاريخية أثبتت أن استخدام الدين كأداة للحكم، خصوصاً في ظل مشروع الحركة الإسلامية، كان مدخلاً لتبرير الاستبداد والتمييز والاقتتال الأهلي.
العلمانية هنا ليست موقفاً معادياً للدين، بل هي إطار ضامن لاحترام كل المعتقدات، وحماية التعدد، ومنع استخدام الدين في قهر الآخر.
دستور يعبّر عن الإرادة الشعبية
ما جاء في دستور تأسيس من مبادئ هو خلاصة نضالات طويلة لشعوب السودان في كل الهامش والمركز. فقد أقر الدستور، بحق الشعوب السودانية في تقرير مصيرها بحرية وعدالة.
بالمساواة الكاملة بين جميع المواطنين.
باحترام الأعراف والعادات والمعتقدات والثقافات المحلية.
بإعادة بناء الدولة على أساس ديمقراطي، علماني، لا مركزي.
والأهم، أن هذا الدستور لم يُكتب في غرف مغلقة، بل تم بتوافق قوى ناضلت لعقود ضد هيمنة الحزب الواحد والتسلط العسكري والديني، ما يجعله وثيقة تعبّر عن تحالف تاريخي بين قوى الثورة الحقيقية.
مشروع ديمقراطي أصيل
على عكس المشاريع الانقلابية أو الطائفية التي حكمت السودان لعقود، فإن «تأسيس» لا يطرح نفسه كحركة انتقالية أو سلطة بديلة، بل كمشروع تحول ديمقراطي جذري يعيد بناء الدولة من القاعدة نحو القمة، ويؤسس لدستور دائم، وانتخابات حرة، وعدالة انتقالية تنصف الضحايا وتؤسس للمصالحة الوطنية الحقيقية.
إن مشروع «تأسيس» ليس مجرد مبادرة سياسية، بل هو إعادة تعريف للسودان، فهو مشروع تتوفر فيه شروط التاريخ والجغرافيا والعدالة والرؤية المستقبلية. وإن كان ما زال في طور التحدي، فإن قوة الفكرة، ووضوح الهدف، وتحالف الشعوب من خلفه، كلها تجعل منه الأمل الأكثر صدقية في مشهد سياسي أنهكته الانقلابات والتجارب الفاشلة، إن السودان الجديد لن يُبنى بالخطب ولا بالإقصاء، بل برؤية مثل «تأسيس» تُخاطب الجميع بندية واحترام، وتُعيد للسودانيين وطنهم من يد الهيمنة والتمييز.
سوما المغربي
نوفمبر 2025



