هدنة الدعم السريع .. ردود الأفعال ودلالات الخطوة
تقرير سوما المغربي
في خطوة مفاجئة أعلنت قوات الدعم السريع عن هدنة انسانية من جانبها وذهب أهل السياسة أنها الخطوة الأذكى التي فتحت مصارع أبواب الدبلوماسية، هذه البادرة، التي جاءت وسط حالة من الفوضى والدمار الذي خلفته الحرب في عدة مناطق من البلاد، أثارت ردود أفعال واسعة محلياً ودولياً، ووجدت جمّ الإستحسان، لكن رغم الترحيب العام من الأحزاب السياسية والدول، سرعان ما تعكرت الأجواء بعد أن جدد الجيش قصفه على المدنيين في مدينة النهود.
إعلان الهدنة ..
أعلنت قوات الدعم السريع عن هدنة إنسانية تهدف إلى السماح بدخول المساعدات الإغاثية إلى المناطق المتضررة وتخفيف حدة الاشتباكات بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الإعلان جاء في وقت حساس، حيث المشهد رسم إنتصارات وسيطرة تامة للدعم على دارفور وشبه تامة على كردفان، لكن كان الخيار هو التزام رئيس المجلس الرئاسي القائد العام للقوات، الذي صرح في عدة مناسبات إن كانت قواته على أبواب بورتسودان فإنه يقدم السلام.
ترحيب الأحزاب والدول..
بمجرد إعلان الهدنة، رحبت العديد من الأحزاب السياسية السودانية بهذه الخطوة، معتبرة أنها فرصة لتخفيف معاناة المدنيين وتحقيق استقرار نسبي يسمح بحوار سياسي شامل بين جميع الأطراف السودانية. أحزاب مثل “حزب الأمة القومي” و”حزب المؤتمر السوداني” أعلنت دعمها لهذه المبادرة، في الوقت الذي عبرت فيه “قوى تحالف صمود” عن أملها في أن تكون هذه الهدنة خطوة أولى نحو إنهاء الحرب الأهلية وإيجاد حل سياسي يضمن حقوق جميع السودانيين.
كما رحب المجتمع الدولي بهذه المبادرة، حيث أعربت الأمم المتحدة عن دعمها لأي جهود تهدف إلى خفض التصعيد في السودان، داعية الأطراف إلى الالتزام بالهدنة بشكل كامل، وحثت على ضرورة تجنب الهجمات ضد المدنيين، الدول المجاورة للسودان، مثل مصر وتشاد، رحبت أيضاً بالخطوة، معتبرة إياها فرصة لتحقيق السلام في المنطقة.
تعاطي دولي مع الخطوة ..
إعلان الدعم السريع للهدنة أثار اهتمام المجتمع الدولي بشكل عام، لكنه لم يخلو من تساؤلات حول مصداقية الطرفين في تنفيذ هذه الهدنة، خاصة وأنهما تبادلا اتهامات بعدم الالتزام بالهدنات السابقة، الخارجية الأمريكية دعت إلى توجيه ضغوط على جميع الأطراف المعنية من أجل الالتزام بتعهداتهم، كما أعلنت عن استعدادها لتقديم الدعم الفني والإنساني للسودان في حال استمرت الهدنة.
تصعيد الجيش بقصف النهود..
في خطوة مفاجئة، وبعد ساعات قليلة من الإعلان عن الهدنة، شن طيران الجيش غارات جوية على مدينة النهود، وهو ما تسبب في سقوط العديد من الضحايا المدنيين، الهجوم على النهود أثار ردود فعل غاضبة من المجتمع المدني السوداني، حيث اعتبره العديد بمثابة خرق للهدنة ورفض لأي فرص للسلام، البعض من المعارضين اعتبر هذا الهجوم بمثابة رسالة من القيادة العسكرية أتى بعدها تصريحات قائد الجيش برفض المسار واتهامات لمبعوث ترامب بالتحيز، مما آثار ردود فعل واستهجان واسع تجاه تلك التصريحات التي عدها الكثير غير مسؤولة تعكس تخبط وفقدان للبوصلة والتوجيه.
دلالات الرسالة ..
وفسر مراقبون إعلان قوات الدعم السريع للهدنة وسط تصعيد الجيش السوداني
أنه ذو دلالات متعددة:
حسن النوايا في مرحلة حرجة، فإعلان الهدنة قد يكون محاولة من جانب قوات الدعم السريع لإبداء حسن النوايا والوقوف على ذات خط الإرادة الدولية لصنع السلام، كما التعامل كطرف مسؤول له تقديراته للوضع الإنساني ومعاناة الشعب.
رسالة إلى الجيش والمجتمع الدولي، فالهدنة بمثابة إشارة إلى الجيش بأن قوات الدعم السريع على استعداد للتفاوض في ظل ظروف إنسانية، ولكن مع الإبقاء على خيار الرد العسكري إذا ما استمر الهجوم.
المجتمع الدولي ومصير مجهول..
فالهدنة جاءت بالتوازي مع تصعيد من الجيش، فإن المجتمع الدولي يجد نفسه في موقف حرج، حيث يسعى لضمان تنفيذ الهدنة من قبل الطرفين، لكنه يدرك أن الوضع قد يتدهور سريعاً إذا استمر التصعيد العسكري.
إعلان عن سقوط البرهان ..
في سياق آخر، وعلى الرغم من استمرار الحرب، بدأ الحديث عن الوضع السياسي لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان يتصاعد، حيث يعتقد العديد من المحللين أن الإعلان عن سقوطه بات وشيكاً في ظل الضغوط العسكرية والسياسية، وفي تسريبات لتصريحات من داخل الجيش تشير إلى وجود انقسامات داخل المؤسسة العسكرية نفسها بشأن طريقة إدارة الحرب، مما يمكن أن يؤدي إلى تغيير في القيادة العسكرية في الفترة المقبلة.
آراء خبراء ومحللين ..
ترحيب حذر بالهدنة، لكن بعض المحللين يرون أن هذه الهدنة قد تكون كمبادرة حقيقية لتحقيق السلام.
وتتباين الآراء حول الهدنة بعض الأحزاب السودانية ترى في الهدنة خطوة نحو السلام:
الأستاذة فاطمة الزين، المحللة السياسية السودانية، ركزت على المعايير السياسية التي قد تفسر التحرك: “من جهة، قد يكون إعلان الدعم السريع عن الهدنة محاولة لكسب تعاطف المجتمع الدولي والدور الإقليمي. لكن من جهة أخرى، كان هناك قصف متجدد من الجيش على المدنيين، ما يبعث برسالة أن النظام العسكري في السودان لا يزال يرفض أي حل سياسي قد يهدد هيمنته على السلطة. هناك انتقادات واسعة لعدم التزام الأطراف بوقف إطلاق النار، وهو ما يزيد من حدة انعدام الثقة بين المواطنين.
مواقف أحزاب المعارضة..
وتحديدًا “قوى تحالف صمود”، اعتبرت أن الهدنة قد تفتح المجال لاستئناف الحوار السياسي، لكنها أشارت إلى ضرورة توجيه الضغوط بشكل أكبر على الجيش لتنفيذ تعهداته بوقف العمليات العسكرية.
وذهب تحليل بعض الناشطين الحقوقين السودانيين إلى أن: “مبادرة الدعم السريع قد تكون ذات نية إنسانية لفتح ممرات الإغاثة، لكنها تظل مشروطة بالثقة في التنفيذ، في ظل الوضع الحالي، لا يمكن ضمان نجاح أي هدنة في ظل وجود قصف مستمر على المدنيين في مناطق مختلفة مثل النهود. لأن ردة الفعل بحسب المراقبين لا يمكن أن يكتف الدعم السريع. لأن اي فعل يلزمه رد فعل والا فإن التوازن سيختل.
فرص النجاح ..
في النهاية، تبقى تساؤلات عديدة بشأن ما إذا كانت الهدنة ستسهم في تحسين الوضع الإنساني في السودان أم أنها ستقبر ويعلن فشلها، ولكن ما هو مؤكد بحسب المحلل السياسي مكي حمد الله هو أن الوضع السياسي والعسكري في السودان ما زال يشهد حالة من التوتر والتصعيد، في ظل انعدام الثقة حول النجاح، والمجتمع الدولي الذي يسعى جاهداً لتوجيه الأطراف نحو السلام، رغم ما يشهده السودان من تحديات كبيرة، أما ما بعد الهدنة، الإجابة على ذلك ستكون حاسمة في تحديد مستقبل السودان السياسي والعسكري، وكذلك مصير المدنيين الذين يعانون بشكل مستمر في ظل هذا النزاع المستمر.



