الرئيسيهجمعة حرازمقالات

جمعة حراز يكتب: تحرير بابنوسة (قميرة) حين تنتصر إرادة الناس على الخوف

تقدير موقف

ليست بابنوسة مجرد بقعة على خارطة الوطن، بل هي شاهدٌ على حكاياتٍ طويلة من الصبر، وعلى أملٍ ظلّ يشتعل في صدور أهلها مهما طال ليل الأزمات. وحين يُقال إن “بابنوسة تحررت”، فالمعنى يتجاوز حدود المكان ليصل إلى عمق الإنسان الذي حلم بيومٍ يستعيد فيه حقه في الأمن، وفي حياةٍ لا يهددها صوت الرصاص.
التحرير الحقيقي لا تصنعه البنادق وحدها، بل تصنعه إرادة الناس في أن يعيشوا بسلام، وأن يختاروا الوحدة طريقًا نحو المستقبل. وما حدث في بابنوسة يمكن قراءته بوصفه لحظة وعي جماعي، لحظة قرّر فيها أهل المنطقة أن الخوف لن يكون مصيرهم، وأن مستقبلهم يجب أن يُبنى على الأمان والاحترام المتبادل وسيادة القانون.
وفي ظل التحولات التي يشهدها السودان، فإن حكومة السلام والوحدة—بمؤسساتها المدنية والعسكرية—أمام مسؤولية تاريخية: أن تجعل من كل منطقة تُستعاد فرصة لإعادة بناء الثقة، وترميم ما تهدّم، ورسم مسار جديد يجعل المواطن محورًا لا تابعًا.
أما دور القوات التي تفرض الاستقرار وتحمي المدنيين، فليس أن تُدخل البلاد في دوائر جديدة من الصراع، بل أن تكون أدوات لحماية الكرامة الإنسانية، وضمان أن كل سوداني—في قميرة، بابنوسة، والبلاد كافة—يجد مكانه في وطنٍ يتسع للجميع.
إن تحرير بابنوسة، بمعناه الذي يحتفل به أهلها، هو انتصار لحق المجتمع في الحياة، وفي أن يكون سيد قراره، وهو رسالة بأن السودان لن يبقى رهينة للأزمات، وأن الطريق نحو سلامٍ دائم يبدأ من دعم المجتمعات المحلية، ومن إنهاء الاحتراب، ومن بناء دولة تحترم مواطنيها مهما اختلفت مناطقهم وانتماءاتهم.
ولعل أهم ما يمكن أن يخرج من هذه اللحظة هو تأكيد أن السلام ليس شعارًا، بل مشروع دولة؛ مشروع يتطلب شجاعة الموقف، ووحدة الصف، وإرادة سياسية لا تتراجع أمام الضغوط. فبابنوسة اليوم ليست مجرد حدث عابر، بل عنوان لجيلٍ يريد أن يرى بلده موحدًا، آمنًا، متصالحًا مع نفسه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى