الرئيسيهتقارير

(الأشاوس) تنشر ورقة ادارة اقتصاديات الحرب والتنمية المكانية التوظيف الامثل للإيرادات العامة ودورها في التنمية المكانية بإقليم دارفور في المؤتمر الاقتصادي

اعداد / الخبير الإداري
الاستاذ/ عبدالله جمعة النور

يشهد إقليم دارفور مرحلة مفصلية تتقاطع فيها تعقيدات الواقع مع تطلعات المستقبل، في ظل إرث طويل من النزاعات والحروب التي أضعفت البنى الاقتصادية وعمّقت الفجوات التنموية بين مناطقه. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحّة إلى إعادة التفكير في منظومة إدارة الموارد العامة، وعلى رأسها الإيرادات، كمدخل استراتيجي لإعادة بناء الإقليم وتعزيز مسارات التنمية المكانية المستدامة…
إن التوظيف الأمثل للإيرادات العامة لايمثل فقط ركيزة من ركائز الاستقرار الاقتصادي، بل يشكل اداة فاعلة لاعادة توزيع الثروة وتحقيق العدالة المكانية، بما يضمن شمول جميع مناطق الاقليم في العملية التنموية وفق اولويات الاحتياج الفعلي. وهذا التوظيف لايمكن ان يحقق اهدافه ما لم يبن علي رؤية اقتصادية واضحة، تستند الي مبادئ الحوكمة الرشيدة، والشفافية، والمساءلة، والتخطيط التشاركي.
في ظل التحديات المتعددة التي يواجهها اقليم دارفور_من ضعف البنية التحتية، وتشتت الأنشطة الانتاجية، وتفاوت الخدمات، الي النزوح والتهجير.

  • محاور الورقة

تأتي هذه الورقة لتسلط الضوء على أهمية الإدارة الذكية للإيرادات العامة، وسبل تحويلها إلى رافعة حقيقية للتنمية المكانية، تكرّس السلم الاجتماعي، وتعيد للإقليم دوره الاقتصادي والإستراتيجي ضمن الخارطة الوطنية لتشمل المحاور التالية:—–

أولًا: جذور الأزمة الاقتصادية وتداعيات الحرب
تشهد إيرادات إقليم دارفور تراجعًا حادًا نتيجة للحرب التي أشعلتها قوى النظام البائد وفلول الجيش، مما تسبب في انكماش اقتصادي حاد وتراجع في أداء الوحدات الإيرادية. هذا الوضع لم يؤدِ فقط إلى اختلال الدورة الاقتصادية، بل ألقى بظلاله الثقيلة على التنمية المكانية، حيث باتت مناطق عديدة خارج دائرة الخدمات والاستثمار، في ظل غياب الرؤية المركزية العادلة.

ثانيًا: ضرورة التوظيف الاستراتيجي للإيرادات العامة
أصبح من الضروري إعادة توجيه الإيرادات المتاحة بما يتماشى مع الاحتياجات الفعلية للإقليم، عبر سياسات مالية رشيدة ترتكز على العدالة المكانية. فالإيرادات، إذا ما أُديرت بفاعلية، يمكن أن تكون رافعة حقيقية للتنمية، لا سيما في البنية التحتية، والخدمات الأساسية، وتعزيز فرص الاستثمار والإنتاج المحلي.

ثالثًا: التنمية المكانية كخيار استراتيجي للاستقرار
إن التنمية المكانية المتوازنة لا تُعد رفاهية، بل هي ضرورة لبناء السلام الاجتماعي. ويتطلب تحقيقها تدخلات محددة، من أبرزها تحسين شبكات المياه والكهرباء والطاقة البديلة، وفتح الطرق التي تربط الإقليم ببعضه وبالأسواق الإقليمية والدولية، مما يعزز حركة التجارة والتكامل الاقتصادي.

رابعًا: الاستفادة من الموارد المحلية والصناعات التحويلية
يمتلك اقليم دارفور ثروات كامنة، مثل الثروة الحيوانية، المحاصيل الزراعية، الذهب، والصمغ العربي، والتي يمكن تحويلها إلى روافع تنموية من خلال تعزيز الصناعات التحويلية، ودعم المصانع المحلية، وبناء مسالخ حديثة، وتوفير بيئة ملائمة للتصنيع والنقل والتصدير، ما يُحدث تحوّلًا نوعيًا في الاقتصاد المحلي ويعزز القيمة المضافة، الحصول علي التمويل اللازم لدعم الاستثمار في الصناعات التحويلية.

خامسًا: إحياء المشاريع القومية كأولوية حتمية
المشاريع القومية المهملة مثل مشروع جبل مرة” و”السافنا” و”مصنع الغزل و النسيج بمليط ونيالا، مشروع ام عجاج وابوفاما، محطة ابحاث غزالة جاوزت،ام بياضة،مشروع كرمدادي ومشاريع الزراعية تمثل فرصًا ضائعة كان يمكن أن تشكل ركيزة اقتصادية متينة للإقليم. ويستلزم إحياؤها تقييمًا شاملًا، وتوفير دعم مالي وفني، وتبني شراكات ذكية بين القطاعين العام والخاص لإعادتها إلى دائرة الإنتاج.

سادسًا: البنى التحتية كمدخل حيوي للتنمية
تعزيز شبكات الطرق الداخلية والقارية، وربط دارفور بخطوط سكة حديد إلى ليبيا وجنوب السودان، هو حجر الزاوية لتحقيق تكامل اقتصادي حقيقي، بما يسهم في انفتاح الأسواق، ويدفع بالنمو نحو مناطق ظلت لعقود مهمشة ومحرومة من الفرص.

سابعًا: تحديات توظيف الإيرادات العامة
ثمة تحديات جوهرية تعيق التوظيف الأمثل للإيرادات، أبرزها ضعف التحصيل، وسوء إدارة الموارد، وتفشي الفساد، وهي تحديات تتطلب إصلاحًا مؤسسيًا شاملاً، يعتمد على الشفافية، ورفع الكفاءة، وترسيخ مبادئ المساءلة في إدارة المال العام.

ثامنًا: الأثر المنتظر من الإصلاح الاقتصادي الموجه تنمويًا
إن حسن إدارة الإيرادات العامة وتوجيهها نحو القطاعات الحيوية من شأنه إحداث نقلة نوعية في حياة المواطنين، وتحقيق مستويات معيشية أفضل، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وترسيخ دعائم الاقتصاد الإنتاجي العادل.

تاسعًا: الحلول المقترحة وآليات التنفيذ.
١/,تعزيز البنية التحتية
٢/ بناء شراكات محلية ودولية، وتعزيز الكفاءات البشرية من خلال التعليم الفني والتقني المرتبط بحاجات سوق العمل
٣/توفير التمويل اللازم لدعم الاستثمار للصناعات التحويلية
٤/ بناء شراكات تعزيز القدرة التنافسية من خلال تحسين الجودة وتخفيض التكاليف
٥/ تعزيز الكفاءات من خلال التدريب والتاهيل
٦/ تطوير وتحديث خطط استراتيجية احترافية تقوم بها الحكومة للتوظيف الأمثل الإيرادات
٧/, الدعم المالي وتمويل الخطط والرؤيا الاستراتيجية
٨/متابعة وتقييم الأداء الوظيفي لضمان تحقيق الاهداف .

التوصيات:

  1. اعتماد التنمية المكانية كخيار استراتيجي لبناء السلام وتعزيز العدالة الاجتماعية، من خلال توجيه الإيرادات العامة نحو ردم الفجوات التنموية وتحقيق التوازن في توزيع الخدمات والبنية التحتية بين مختلف مناطق الإقليم
  2. إرساء نظام شفاف وعادل لإدارة الموارد العامة، يقوم على مبادئ الحوكمة الرشيدة والمساءلة المجتمعية، بما يضمن الاستخدام الكفء للإيرادات ويحدّ من الهدر والفساد المالي والإداري.
  3. إعادة تأهيل الوحدات الإيرادية وتعزيز كفاءتها الفنية والإدارية، عبر إصلاح الهياكل المؤسسية، وتطوير نظم التحصيل والمتابعة، وتدريب الكوادر، بما يضمن تحسين الأداء وتوسيع قاعدة الموارد الذاتية.
  4. إحياء المشاريع القومية الكبرى في الإقليم وتوجيه الاستثمارات نحو الصناعات التحويلية، من خلال شراكات ذكية بين القطاعين العام والخاص، تسهم في خلق فرص عمل، وزيادة القيمة المضافة للموارد المحلية، ودفع عجلة النمو المستدام.
  5. توسيع شبكات البنى التحتية وربط دارفور بالمراكز الوطنية والإقليمية، خصوصاً من خلال مشاريع الطرق، السكك الحديدية، والطاقة، كخطوة أساسية لدمج الإقليم في الاقتصاد الكلي وتفعيل دوره كممر تجاري إقليمي
  6. بناء قدرات بشرية فاعلة ومؤهلة تواكب احتياجات التنمية المكانية، وذلك من خلال دعم التعليم الفني والتقني، وتعزيز برامج التدريب المهني المرتبط بالقطاعات الإنتاجية، بما يعزز القدرة التنافسية للمجتمعات المحلية.
  7. تأسيس صندوق تنمية دارفور مستقل وشفاف، تُحول إليه نسبة محددة من الإيرادات القومية والإقليمية، ويوجه حصرياً لتنفيذ مشاريع التنمية المكانية الاستراتيجية ذات الأولوية في الإقليم.
  8. اعتماد آليات مرنة للتخطيط التشاركي والمتابعة والتقييم، تتيح إشراك المجتمعات المحلية في تحديد أولويات التنمية، وقياس الأثر التنموي للإيرادات العامة، وتعزز من ثقة المواطنين في مؤسسات الحكم المدني.
  9. العمل على إعادة دمج اقتصاد الإقليم في الدورة الوطنية والإقليمية، من خلال إزالة القيود على الحركة التجارية، وتسهيل نقل المنتجات إلى الأسواق الداخلية والخارجية، مما يسهم في تعظيم العائدات وتنشيط النشاط الاقتصادي.
  10. تبني سياسة مالية مرنة تستجيب لخصوصيات الإقليم، تُمكّن من توجيه الموارد وفق متطلبات الواقع الميداني، بما يعزز القدرة على التدخل السريع لمعالجة الأزمات الاقتصادية والإنسانية الطارئة
  11. تعزيز التنسيق بين مستويات الحكم المختلفة (الاتحادي – الإقليمي – المحلي) لضمان تكامل السياسات المالية والتنموية، وتقليل التداخل والصراع في الصلاحيات بما يحقق كفاءة الإنفاق.
  12. إعداد دراسات جدوى اقتصادية ومسوحات ميدانية دقيقة لكل منطقة بالإقليم، لتحديد مزاياها النسبية والموارد المتاحة، بما يسمح بتوجيه الاستثمارات وفق خريطة تنموية علمية قائمة على البيانات.
  13. تفعيل دور الجباية القانونية وضبط موارد الاقتصاد غير الرسمي، وإدخال الأنشطة التقليدية مثل التعدين الأهلي والرعي والتجارة الحدودية في الاقتصاد الرسمي لتحقيق مزيد من الإيرادات وتوفير الحماية القانونية للعاملين بها
  14. تشجيع الابتكار وتكنولوجيا المعلومات في الإدارة المالية، من خلال أتمتة نظم التحصيل، وربط المؤسسات المالية إلكترونيًا، لضمان الرقابة اللحظية وتحقيق الشفافية في التعامل مع الإيرادات العامة.
  15. تبني مقاربة “السلام من خلال التنمية”، باعتبار أن التنمية المكانية القائمة على الإنصاف الاقتصادي تمثل أحد أهم صمامات الأمان لمنع عودة النزاعات وبناء عقد اجتماعي جديد متوازن وعادل.
  16. توسيع قاعدة الحوار المجتمعي حول أولويات التنمية وتوظيف الإيرادات، بما يكرّس ثقافة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار ويزيد من مشروعية المؤسسات الوليدة في الإقليم.
  17. السعي لحشد الدعم الدولي والإقليمي لإعادة إعمار الإقليم، عبر خطط استراتيجية واضحة، تستند إلى الشفافية والجدوى الاقتصادية، وتوفر الضمانات اللازمة لجذب التمويل التنموي المستدام.
    ١٨/. تبني إستراتيجية تنمية مكانية شاملة لإقليم دارفور تقوم على العدالة في توزيع الموارد، وفقًا لأولويات الاحتياج الفعلي لكل منطقة، مع مراعاة التفاوتات التاريخية في التنمية
    ١٩./ . إعادة هيكلة منظومة الإيرادات العامة بالإقليم لضمان الكفاءة والشفافية في التحصيل والتوزيع، وتطوير البنية القانونية والمؤسسية المنظمة للعمل المالي.
    ٢٠/. إنشاء إدارة فدرالية موحدة للإيرادات العامة بإقليم دارفور تتبع لوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي تتولى ضبط التحصيل
    ٢١-تنسيق السياسات الإيرادية ذات الطبيعة الفيدرالية، بما يعزز الشفافية ويوجه الموارد نحو الأولويات التنموية الإستراتيجية.
    ٢٢/احياء وتشغيل المشاريع القومية المهملة في الإقليم مثل “شركة جبل مرة” و”السافنا” و”مصنع نسيج مليطونيالا عبر شراكات ذكية مع القطاع الخاص الوطني والأجنبي.
    ٢٣/الاستثمار في البنى التحتية الإنتاجية والخدمية مثل الطرق، الكهرباء، المياه، والنقل، بما يُمكّن من ربط الإقليم ببعضه وبالأسواق الإقليمية والدولية.
    ٢٤- تحفيز الصناعات التحويلية المحلية لتطوير سلاسل القيمة للموارد الطبيعية، خاصة الثروة الحيوانية والزراعية والذهب، مع تسهيل الوصول للتمويل الصناعي والتقني.
    ٢٥/ تعزيز التعليم الفني والتقني المرتبط بحاجات سوق العمل، وتوسيع برامج التدريب والتأهيل المهني للكفاءات المحلية في المجالات الحيوية.
    ٢٦/. بناء شراكات دولية ومحلية لجذب الاستثمارات النوعية، وتبادل الخبرات في مجال الإدارة الاقتصادية والتنمية المستدامة.

المراجع والمصادر

١/ اقتصاديات الحرب محفز احتكارية في تطوير اقتصاديات المدن /جمال عبدالرحمن العقاد
٢/ العدالة المكانية وفقر الخدمات العامة في المنطقة العربية/محمد الخنسا
٣/التنمية المستدامة تحديات الحاضر والمستقبل/ دكتور محمد ابراهيم مبروك
٤/التنمية الاقتصادية للأقاليم /, دكتور علي احسان شوكت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى