
بقلم: علي الماحي
إنّ حكومة التأسيس بقيادة الأستاذ التعايشي تمثل نقطة تحول تاريخية في مسار الدولة السودانية، إذ تأتي في مرحلة دقيقة تعصف بها التحديات، وتكثر فيها الانقسامات، ويرقب فيها الشعب مخرجًا يليق بتضحياته الطويلة. هذه الحكومة ليست حكومة عابرة أو مؤقتة فحسب، بل هي حجر الأساس لمشروع وطني جامع، يضع أمامه قيم الحرية والسلام والعدالة كمرتكزات لا مساومة فيها.
إنّ تأسيس سودان حقيقي يقوم على الاستقرار لا يمكن أن يتحقق إلا عبر بناء مؤسسات راسخة، تنبع شرعيتها من الشعب وتعمل وفق مبادئ الشفافية والنزاهة. فالمواطن السوداني الذي أنهكته الحروب والصراعات، يستحق أن ينعم بخدمات أساسية تحفظ كرامته وتوفر له الأمن والطمأنينة. وهذا لا يتم إلا عبر حكومة قادرة على إدارة موارد البلاد بعدالة، وتوجيهها نحو التنمية المتوازنة في كل الأقاليم، دون تمييز أو إقصاء.
أثبتت التجربة السودانية أنّ غياب العدالة في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية كان سببًا رئيسيًا في تراكم الأزمات. لذا فإنّ الخطوة الأولى في مشروع الإصلاح يجب أن تنطلق من إعادة هيكلة هذه المؤسسات على أسس مهنية وقومية، تبتعد عن الولاءات الضيقة وتؤسس لعقيدة وطنية خالصة. عندها فقط يمكن للسودان أن يمتلك جيشًا موحدًا يحمي البلاد، لا أن يكون أداة في يد فئة أو إقليم.
ولا يكتمل مشروع التأسيس دون إصلاح اقتصادي شامل، يعيد للدولة دورها في التخطيط والرقابة، ويضمن توزيعًا عادلاً للثروة. فالتنمية الاقتصادية ليست مجرد أرقام في دفاتر الوزارات، بل هي مدارس تُبنى، ومستشفيات تُجهّز، وفرص عمل تُوفّر للشباب. وإذا تحققت العدالة الاجتماعية، فلن يكون هناك مجال لتهميش الأطراف أو حرمانها من حقوقها الطبيعية.
إنّ ما ينتظره الشعب السوداني اليوم هو انتقال ديمقراطي حقيقي، يفتح أبواب المشاركة السياسية أمام جميع القوى الوطنية، ويكفل الحريات العامة ويحترم حقوق الإنسان. الديمقراطية ليست شعارًا يُرفع في المناسبات، بل ممارسة يومية تُبنى على الحوار والتوافق واحترام الآخر. وحكومة التأسيس أمامها مسؤولية كبرى في وضع اللبنات الأولى لهذا المسار، حتى تتعزز ثقة المواطن في دولته ويشعر أنّ صوته مسموع وإرادته مصونة.
إنّ السودان يقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة، مرحلة تُكتب فيها ملامح الدولة من جديد. وحكومة التأسيس بقيادة الأستاذ التعايشي مطالبة بأن ترتقي إلى مستوى هذا التحدي، وأن تقدم نموذجًا مختلفًا في الحكم والإدارة، نموذجًا قوامه الشفافية والعدل، وهدفه بناء وطن يسع الجميع.