الرئيسيهسوما المغربيمقالات

التقدم مؤلم والثبات أو الرجوع أشد إيلاما!

مناوي لم يُهزم فقط في ساحة المعركة، بل في اختبار الانحياز للمستقبل. والتاريخ لا يرحم من وقف مترددًا بينما كان الوطن يُولد من جديد.
في لحظات التحول العميق، لا يكون التقدم سهلاً، ولا الرجوع مريحًا، لكن الأصعب من كليهما هو الثبات على حالٍ لم يعد يصلح للبقاء. هذا هو حال القائد مني أركو مناوي بعد سقوط الفاشر، حين واجه حقيقة مُرّة: أن الهزيمة ليست فقط فقدان أرض، بل انكشاف موقف، وانتهاء وهم.
الفاشر، عاصمة دارفور التاريخية، لم تكن مجرد مدينة تُؤخذ أو تُترك. كانت مقياسًا للتحوّلات الكبرى، ورمزًا لصعود مشروع، وسقوط آخر. حين طالب مناوي بفتح ممرات لخروج قواته، حتى ولو دون سلاح، كان المشهد أوضح من أي تصريح: انتهى دور المحايد، وسقط رهان الوقوف في المنطقة الرمادية.
لقد اختار مناوي وجبريل الكفة الأسوأ، حين تركا نداء وحدة الإقليم، وتماهيا مع مركز لا يرى دارفور إلا كحزام ناري يُستخدم ثم يُنسى. تجاهلا فرصة الانضمام لمشروع التأسيس، وهو المشروع الذي خرج من رحم المعاناة، وقاده من قدّموا الأرواح لا الخطابات.
قوات دولة التأسيس لم تُحقق فقط انتصارًا ميدانيًا، بل حطّمت الشعار النفسي الذي كان يُسوّق للجيش المشترك والمواءمة المستحيلة. اليوم، الفاشر هي راية النصر الكبرى، ودماء الشهداء فيها صرخة تقول: لا عودة لحكم يُقسم الوطن طوائف وأقاليم حسب المصالح.
إن الحرية وطريق التحرير لم يُمنحا، بل افتُكّا، بثمنٍ دفعه الأشاوس، لا في المكاتب، بل في الخنادق. واليوم، دولة التأسيس هي فرحهم، وعهدهم، وسودانهم الجديد؛ سودان خالٍ من أولئك الذين لا تعنيهم الوحدة ولا الوطن.
المواقف تجاه الوطن هي التي تميز الرجال في لحظات المصير. فحين تتشظى البلاد، لا يُطلب من القادة الشعارات، بل الانحياز الواضح للوطن وأهله. الذين اختاروا طريق السودان الجديد لم يفعلوا ذلك طلبًا لمجد شخصي، بل إيمانًا بأن الوطن لا يُبنى إلا بالتضحيات والوحدة. السودان لن يتوحد بالشعارات أو المساومات، بل بأبنائه الشجعان الذين رفضوا الوقوف في صف من يتاجرون بالدم والمصالح. دولة التأسيس اليوم هي ثمرة مواقف صلبة، ووعي ناضج اختار أن يضع الوطن أولًا، وأن يُعيد صياغة الدولة وفقًا لحلم الناس، لا حسابات النخب. وسيُكتب النصر باسمهم، لا باسم المترددين.

سوما المغربي
سبتمبر ٢٠٢٥

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى