الجمهوريين يطرحون أنفسهم كقوى مصلحة.. من غزة إلى السودان .. هل تنجح أمريكا في تصدير نموذج السلام؟

تقرير سوما المغربي
بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة برعاية أمريكية، بدأت مراكز التحليل الدولية تتساءل هل تحاول واشنطن استثمار هذا النجاح في ملفات أخرى؟ وعلى رأسها الأزمة السودانية الممتدة منذ أبريل 2023. فبينما تُعد غزة واحدة من أكثر مناطق العالم تعقيدًا من حيث التوازنات السياسية والدينية، يبدو السودان “مقارنةً بها” يعد ساحةً مرنة نسبيًا للتدخل الدولي، خصوصًا في ظل إجماع دولي متنامٍ على ضرورة وقف الحرب.
النجاح الأمريكي في غزة بداية
يُنظر إلى الاتفاق الذي ساهمت فيه إدارة الرئيس ترامب الحالية بشأن غزة على أنه اختراق دبلوماسي مهم. لم يكن فقط وقفًا لإطلاق النار، بل تضمن ترتيبات إنسانية وأمنية بإشراف قوات دولية محدودة. هذا النموذج، وإن لم يكن حلاً نهائيًا، أعاد لأمريكا صورة الوسيط القوي القادر على فرض حلول، بعد سنوات من التراجع.
نجاح غزة.. بوابة لتحرك أوسع
الاتفاق الأخير في غزة، رغم هشاشته، أعاد الزخم للدبلوماسية الأمريكية وأعادها إلى موقع الوسيط الفعّال. ورغم اختلاف الجغرافيا والدوافع بين غزة والسودان، إلا أن كوارث الحرب الإنسانية في السودان تُشكل دافعًا قويًا لتدخل مماثل، خاصة مع تزايد الضغط على المجتمع الدولي من منظمات حقوق الإنسان ومنصات الأمم المتحدة.، ربما يكون السودان هو “الملف الأسهل” بعد غزة من الناحية النظرية، إذ لا يحمل النزاع في السودان نفس الثقل الديني والدولي لنزاع فلسطين. الصراع فيه يدور بين جيشين داخل دولة واحدة، دون طرف خارجي رسمي مباشر، ما يجعل من التوسط أمرًا ممكنًا إذا توفرت الإرادة الدولية. إضافة إلى أن الفشل الإنساني الكارثي للحرب في السودان “مئات الآلاف من القتلى النازحين” بات يشكّل ضغطًا دوليًا متصاعدًا نحو الحل.
انخراط أمريكي ممكن..
إن كانت الرباعية كمدخل لأمريكا بالفعل ضمن ما يُعرف بـ”الرباعية” (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، ومصر)، التي تحاول منذ شهور بلورة مسار تفاوضي بين قوات الجيش والدعم السريع. ومع أن مصر تبدو متحفظة في التعاطي، فإن السعودية والإمارات تُبدان انفتاحًا أكبر. ويمكن لواشنطن استخدام ذات الأدوات التي نجحت في غزة، مثل الضغط الاقتصادي والسياسي، لفرض هدنة، ثم سلام دائم. كما أن أثر النجاح في غزة على المواقف داخل السودان فالنجاح الأمريكي في غزة قد يُقنع أطرافًا سودانية، كانت ترفض الرعاية الأمريكية، بإعادة النظر. كما أن المجتمع المدني والقوى الثورية قد ترى في ذلك فرصة لدفع ملف السلام للأمام. خصوصًا إذا أُقنع طرفا الصراع بأن أي سلام أميركي يأتي معه اعتراف سياسي، ورفع للعزلة، ومساعدات اقتصادية.
الجمهوريون وصنع السلام العالمي.
رغم الصورة النمطية عن الحزب الجمهوري كحزب حرب، إلا أن بعض الإدارات الجمهورية “مثل إدارة ترامب” تسعى لاستخدام القوة الدبلوماسية لتحقيق مكاسب انتخابية. السلام في السودان، إذا نجحت فيه واشنطن، قد يُضاف إلى سجل “نجاحات” تُستخدم داخليًا لتأكيد فاعلية السياسة الخارجية.
أرآء خبراء ومراقبين
بعض المراقبين يرون أن الجمهوريين يطرحون أنفسهم كقوى “صانعة للسلام” في الشرق الأوسط، مستفيدين من ملفات مثل غزة لبناء صورة إيجابية دولياً، والبعض يرى أن الواقع السياسي الأمريكي معقّد حيث هناك ضغوط حزبية مؤيدة لحل النزاعات، وضغوط داخلية ومعارضة تتشكك في الإنخراط الدولي المكثّف.
المحلل السياسي محمد أحمد موسى يقول: “ربما تكون خلاصة الاستنتاجات المحتملة أن نجاح السلام في غزة قد يُشكّل نموذجًا يُسخّر في السلم في السودان، خصوصًا إذا تعاملت الولايات المتحدة مع السودان بنفس الجدية والضغط.
ويضيف قائلا “ليس من الضروري أن السودان “أقل تعقيدًا” عمليًا، لكنه قد يُقدَّم كمشروع تجريبي لاستعادة النفوذ الدبلوماسي، فإذا أراد ترامب أن يُظهر نفسه كوسيط عالمي فاعل، فملف السودان سيكون من الملفات التي يُمكن أن ينجزها لإثبات ذلك أمام خصومه وداعميه، بالرغم من أن التحدي الأكبر سيكون قدرة أمريكا على فرض سلام يُحترم من الأطراف السودانية، وليس فقط توقيع اتفاق على الورق.
التحديات أمام السيناريو الأمريكي في السودان. .
التدخلات الإقليمية، والتي تعد الأهم سواء كانت من مصر أو غيرها من دول الإقليم .
فوضى الساحة السياسية السودانية، وغياب قيادة موحدة للقوى المدنية الفاعلة.
ضعف ثقة الشارع السوداني في الوسطاء الدوليين بعد فشل مسارات جدة والمنامة وغيرها. وتوالي الرفض والتعنت من جانب حكومة بورتسودان وتخلفها عن العديد من المنابر التي سبقت بمحاولة من المجتمع الدولي والإقليمي لصنع مسارٍ للسلام ووقف الحرب .
فرصة لا يجب إهدارها.
إن كانت واشنطن صادقة في نواياها، فعليها أن تتحرك بسرعة لوقف نزيف الدم السوداني. السودان ليس غزة، لكنه يحمل نفس الأبعاد الإنسانية والكارثية. وعلى الأطراف السودانية أن تُدرك أن المجتمع الدولي بات يُدير ظهره لمن لا يسعى للحل. فالوقت لا ينتظر، ومن يراهن على الحرب وحدها، سيُقصى من مشهد المستقبل.