الرئيسيهحوارات

العم محمد عثمان حراز يروي لصحيفة (الاشاوس) تفاصيل مؤسفة عن قتل الجيش للسجناء وموتهم جوعًا

بعد نصائحي، راسلني أحد الضباط بأنه رمى (الكاكي) وهاجر إلى الخارج!

نعم.. صحتي ساءت في السجن.. ولكن من المفارقات خرجت معافى من داء السكري!

(…) هذه قصة الطالب الذي مات جوعًا وبقي جسده يومين داخل السجن كما هو دون تغيير.

لا ظلم أكثر من دفع حصتنا من السكر لعامين لطريق الإنقاذ، وعند سؤالنا كانت المفاجأة….

من الذي أفرج عنك من السجن ثلاثة (٣) أشهر؟

الذي وجه بالإفراج عني، حسب ما علمت، قائد منطقة كرري العسكرية، وكان هو المسؤول الأعلى في إجراءات القبض والاعتقال. وجاء الإفراج وفق مذكرة رُفعت إليه بأن هناك رجلاً كبير العمر ضمن السجناء.

كنت تقارعهم بالحجة، ورغم ذلك أفرجوا عنك؟

الضباط اشتبكوا (ترددوا) عندما قلت لهم بأن حميدتي حيٌّ والتقيته قبل القبض عليّ.

نعم.. في ذات مرة تحدثت معهم بحرارة وقلت لهم: «شغلكم دا ماشي في اتجاه جهوي؛ الحرب إذا عملتوها قبلي لا تستطيعون الثبات». هم شباب، قدمت لهم نصائح، ووجدت أن لديهم شيء في فهمهم: أن الدعم السريع انتهى وتبقى خمس عربات فقط. وكانت المفاجأة عندما قلت لهم إن الدعم السريع الآن من النيل الأزرق حتى الجزيرة ومن الخرطوم في امتداد النيل الأبيض، وبالقرب من شندي وأم درمان؛ كانوا يضللون الضباط الصغار بأنهم أعادوا سك العملة ومعسكر طيبة. بدأت أنصحهم بأن هذا تضليل، حتى أنهم قالوا لهم إن حميدتي قد قُتل. قلت لهم: قبل أن تقوموا بالقبض عليّ كنت ألتقيه، فلم يستطيعوا التصديق، وغادروا على الفور من الدهشة، وجاءوا إليّ في اليوم التالي وأعادوا السؤال. قلت لهم: أنتم مغفلون؛ إذا كان حميدتي ميتًا والأشاوس يقاتلونكم بهذه الشراسة، أليس ذلك يدعوكم للتفكير في الحقيقة؟

أعدت لهم التأكيد بأن حميدتي حيّ ويصوم كل يوم اثنين وخميس، وقادة العمليات موزعون لمجموعتين يلتقونه خلال اليومين. قطعت لهم بالقول: «حميدتي سوف يهزمكم؛ الأفضل لكم أن تذهبوا إلى منازلكم أو تنضموا إلى الدعم السريع». حينها كانوا مستغربين، لكن للأمانة أحد الضباط عقب خروجي من السجن راسلني وقال لي: «إن سافرت إلى الخارج أخذت معي الوالدة والأسرة، وجدعت الكاكي ولن أرجع السودان إلا بموافقة». للأمانة كان رجلاً صادقًا ومخلصًا، ودائمًا ما يستمع لما أقول من معلومات بتركيز. وفي يوم من الأيام جاء إليّ واعترف لي بقوله: «نحن أيضًا مهمشون إذا كانوا يضللوننا بالانتصارات في الخرطوم وموت حميدتي»، وحدثني بكل حسرة: «أجهزتنا جميعها مراقبة».

أوضاع السجناء — هل الموت يحيط بهم؟

عندما نُقِلتُ إلى سجن كرري وجدت المجموعة الأولى قد أمضت ثلاثة أشهر، وكان ذلك منذ اليوم الأول. كل أسبوع تأتي مجموعة، وجل الأسباب جهوية أو الشك في وجود ارتباطات بالدعم السريع. أتو (أُحضروا) بخمسة ضباط. أحيانًا أتحدث مع الضابط عن الاتجاه القبلي وكنت أشعر بأنهم خائفون. لا شخص دخل السجن إلا وضُرب ضربًا مبرحًا إلا أنا.

لكن صحتك تأثرت كثيرًا عند خروجك؟

نعم صحيح، لكن من المفارقات العجيبة أنني كنت مريضًا بالسكري. لكن عندما خرجت من السجن تعافيت منه، وقد أخذ مني ثلاث سنوات (أو تعبر عن خسارة ثلاث سنين من عمري).

ماذا عن التصفيات في السجن؟
كانت هناك حالات تصفيات. إمام مسجد كرري — الذي كان المفوجون يُرسَلون إلى السعودية وكان رجلاً تقيًا — قال لي في حديثه: «كانت معنا مجموعة كبيرة، يؤخذ منها بعد كل يوم أو يومين ما بين ٥–٦ أشخاص ولا يعودون ولا يخرجون بالإفراج بل تُعصَم أعينهم (يقفل عليهم)». عندما غارت (تعرضت) السجن كان به نحو ٩٦ سجينًا كانوا عبارة عن هياكل؛ بعد عشرة أيام خرج شخص وقال لي إن ٤٠ شخصًا قد توفوا جوعًا في السجن. في سجن آخر ذكر أحد الأبناء بأن طالبًا يدعى محمد عثمان مساجد — وعرفت أسرته لاحقًا — قد مات جوعًا، والشخص الذي قام بغسله وتكفينه أكد لي هذا الكلام. وبعد أسبوع تم الإفراج عن هذا الشخص قال لي إن هذا الطالب توفي منذ يومين داخل الحراسة ولم يتغير شكله. وعندما أتينا ثلاثة أشخاص لغسل جثمانه كان جسده كأنما توفي الآن؛ أطرافه كانت لينة كأنه لم يتوفَّ منذ زمن طويل، عيناه كانتا مثل الشخص النعسان، غسلناه ولم تكن هناك رائحة في جسده.

وماذا عن موقفك بعد خروجك؟

بعد خروجي توفوا ٤٠ شخصًا جوعًا. أخذني أحد قيادات السجن بسيارة إلى المنزل، فوجدت أن كثيرًا من المعلقات ثم أخذها، فقط الجواز موجود. لديُّ شنطة شخصية فيها أرقى الملابس — دائمًا أجهزها للسفر — وجدتها فارغة تمامًا. عندما رجعت البيت عملت كرامة كبيرة واستفزت الذين بلغوا عني، فكان احتفال أهل الحي بعودتي كبيرًا: زغاريد وبكاء. لساعة كاملة لم نستطع أن نجلس. بعد ذلك أبناءنا في العمليات طلبوا مني المغادرة إلى البلد، فتحركت من أم درمان وأتيت إلى حي المعمورة في الخرطوم ومكثت ستة أشهر حتى قُدمت لي نصائح من الإخوان بالعودة.

أحسست بظلم من الإسلاميين وقد شاركتهم في يوم من الأيام؟

في فترة الإنقاذ شعرنا إذا لم نتقدم أهلنا فسوف يلعبون بمقدرات البلد، وكما اكتشف القائد الظلم والفساد لديهم، كذلك شعرنا نحن. وما في ظلم أكثر من طريق الإنقاذ: نحن رؤساء لجان قمنا بعمل توقيعات لجمع السكر على أساس أنه خلال سنتين يتم ربط الطريق من الأبيض إلى الفاشر. تنازلنا عن حصة السكر لعامين. عندما راجعناهم في مسألة التنفيذ قالوا إن المبالغ ذهبت فقط لعمليات الدراسة، والحقيقة أنها صُرفت في المجهود الحربي في حرب جنوب السودان. بلغوا تحياتي للقائد؛ هذه الحرب مسيرة من ربنا. علينا أن لا نغتر ونقول إننا أشاوس وعندنا سلاح. إلى أخي محمد حمدان: إيماني ويقيني أن هذا الرجل — ربّنا جعله آية لتغيير وضع البلد والظلم الذي وقع في السودان. والواقع أنه لا يوجد تكافؤ في القوة ومقدرات الحرب ولا الفهم: هؤلاء جيش له تاريخ مئة سنة ويأتي جيش عمره ١٣ عامًا ويهزمه. (أنا) ميقن أن الحرب إذا استمرت سوف يتم تحرير السودان من بورتسودان إلى الجنينة؛ قناعتي أنها رسالة ربانية.

بلغوا شكري للقائد، وقائد ثاني وكل القادة. وأيضًا لا بد أن أقف عند التأسيس: أنا من الذين حضروا اجتماع نيروبي؛ انضمام أخونا عبد العزيز الحلو لتحالف التأسيس كان شيء عظيم. أهلنا — ناس جبال النوبة — من المؤسسين للجيش، ولكن هذا الجيش رتبُه الأعلى من الصفوة وأبناء الزوات، أما المقاتل فتحت، أما من أهلنا فمن شريط البقارة أو النوبة. المقاتلون انتهوا، تبقى البراعن (الطبقات العليا) يقاتلون دون أن يفهموا. الحق يعلى ولا يعلى عليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى