الرئيسيهسوما المغربيمقالات

إحتفالات التحرير رسالة للوحدة والسلام

سوما المغربي

في لحظةٍ وطنية، خرجت جماهير جبال النوبة في كاودا، ومعها شعوب نيالا والجنينة وزالنجي وغيرها، إلى الشوارع احتفالًا بتحرير مدينة الفاشر، ليس فقط فرحًا بالنصر، بل تأكيدًا على تمسكها بالسلام والوحدة، وانخراطها في مشروع تأسيس وطن جديد يتسع للجميع.
الهتافات نتيجة جاءت وعيً شعبيً عميقً بأن هذا الانتصار العسكري يجب أن يتوَّج بانتصار سياسي وأخلاقي عنوانه «السلام العادل» و«السودان للجميع». كان خروج جنوب كردفان وكل دارفور بمثابة استفتاء شعبي حقيقي لدعم حكومة التأسيس، التي حملت في اسمها مشروعًا جامعًا يقوم على السلام والمواطنة.
إن الشعوب التي عانت لسنوات من التهميش، خرجت اليوم لتقول إن السودان لا يُبنى إلا بوحدة الإرادة، ودستور يحمي العدالة، ومشروع قومي يتجاوز الجهوية والتمييز، ويُعيد الحقوق إلى أهلها.
إنّ إيمان مواطني هذه الاقاليم بالقضايا العادِلة التي تُعيدهم من هوّة التهميش إلى حضن الوطن، يبدو اليوم واضحًا في انخراطهم الجماهيري النشيط وشعاراتهم التي ربطت بين التّحرير والمساواة والعدالة. فمبدأُ الحركةِ الشعبية الذي ظلّ ثابتًا في شعارها ‏«سودانٌ موحَّدٌ مدنيٌّ ديمقراطي»، لم يكن شعارًا براقًا فقط، بل أصبح اليوم عمودًا صلبًا في لبنات بناء التّأسيس.
من خلال هذا التجاوب الجماهيري، يُقرأ بجلاء أن الشعوب صارتْ فاعلةً ومُساهمةً في مشروعٍ يتجاوز التّقسيمات الجغرافية والعرقيّة ويحتضن كل أهل السودان. واليوم، عندما تقف الجماهير خلف التّأسيس، فهي تُعلن أن مستقبلها لن يُكتب من دون مشاركتها، وأنها جزءٌ لا يتجزأ من الدولة الجديدة التي تنشد الحرية والعدالة والمواطَنة الحقيقية، وحدة الشعوب تتحقق حين يكون الجميع على قدم المساواة في الحرية والكرامة وعدالة الوجود، دون تفريق بين جهة أو عرق أو ثقافة. فالسودان لا يُبنى بالشعارات وحدها، بل بدستور راسخ يحفظ الحقوق، ويضمن التوزيع العادل للسلطة والثروة، ويكرّس مبدأ المواطنة كأساس للحكم.
في لحظة امتزج فيها الفرح بالأمل، احتفلت شعوب السودان بتحرير الفاشر، لكنّها لم تنس أن تهتف للسلام وتطالب به كأولوية لا بديل عنها. كانت الهتافات تعانق سماء كاودا ونيالا والجنينة، تهتف لا للدمار، نعم للسلام. هذا الوعي الشعبي يُجسد روح دستور التأسيس، الذي جاءت به حكومة حملت اسم “حكومة السلام والوحدة”، ليكون السلام أول التزاماتها. لقد أدرك المواطن أن النصر الحقيقي لا يكتمل إلا بوقف الحرب، وفتح الأبواب للحوار، والعودة إلى دولة تجمع كل شعوبها على أساس العدالة والمساواة، لا التفرقة والقتل، فكان صوت الشعب داعماً حقيقياً لمشروع تأسيس الوطن من جديد.

سوما المغربي
نوفمبر٢٠٢٥

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى