آراء متباينة من محللين حول مستقبل الاتي وموازين القوى
محلل : الهدنة أصبحت أمرًا واقعًا… والحركة الإسلامية تخشى فقدان نفوذها
تقرير : سليمان أبكر
في ظل التطورات الأخيرة وارتفاع الأصوات المحلية والدولية المطالبة بوقف الحرب في السودان، تلوح في الأفق هدنة جديدة باتت أشبه بالواقع الفعلي، رغم تلكؤ الجيش وتردده وغياب الإعلان الرسمي حتى الآن.
حول هذه التطورات، استطلعنا آراء عدد من المحللين السياسيين الذين قدّموا قراءات مختلفة حول دوافع الأطراف المتحاربة ومآلات المشهد العسكري والسياسي في المرحلة المقبلة.
الهدنة باتت أمرا واقعا …
يقول المحلل السياسي آدم حسين الجدي إن ما يحدث الآن في السودان يعكس حالة من التحول الاضطراري نحو القبول بالهدنة بعد الكارثة التي بدأت في الخامس عشر من أبريل 2023، مؤكدًا أن أي شخص “عاقل ووطني” لا يمكن أن يختار الالتفاف حول جيش الحركة الإسلامية الذي يسعى لاستمرار الحرب بأي ثمن.
ولفت الى ان الوضعية الحالية شاذة ومقلقة، لأن الرافضين للهدنة يدركون أنهم خارج معادلة السلطة في المرحلة المقبلة، كما يعلمون أن الجيش لن يتمكن من تحقيق أي نصر عسكري بعد تحرير الفاشر لعدة أسباب.”
ويضيف الجدي أن الجيش فقد الكثير من قدراته القتالية، كما أن القوات المشتركة لن تقاتل معه كما في السابق إلا من باب “المجاملة وحفظ ماء الوجه”، مشيرًا إلى أن “الجيش في تاريخه لم يحاكم أحدًا على انتهاكات بحق المدنيين رغم سجله الممتد من حرب الجنوب مرورًا بدارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وفض الاعتصام وحتى معارك الجزيرة والخرطوم وأم درمان”.
من جهته يرى الخبير الاستراتيجي يوسف محمد أحمد أن الحرب منذ بدايتها استهدفت المدنيين عبر حملة إعلامية ممنهجة لشيطنة كل صوت منحاز للسلام أو التحول المدني الديمقراطي، حتى بات كل من يدعو للسلام يُتهم بأنه “جنجويد أو دعامة”.
ويؤكد يوسف أن الغاية السياسية الأساسية من هذه الحرب هي إعادة إنتاج الاستبداد وهيمنة تيار الحركة الإسلامية.
كرتي ضغط على البرهان… وسقوط الأبيض سيكون ضربة قاصمة
أما المحلل السياسي بدر الدين أبكر سليمان، فيرى أن قبول أو رفض الهدنة من قِبل الجيش تحكمه عوامل داخلية وخارجية معقدة، وأن موقفه ليس حراً كما كان في بداية الحرب.
وجرم بان الجيش مأدلج بالكامل من قبل الحركة الإسلامية، وظهور زعيمها علي كرتي مؤخرًا ودعوته إلى التعبئة العامة ليست خطوة عفوية، بل رسالة ضغط واضحة على البرهان في وقت حساس يسبق مفاوضات الرباعية المنتظرة.”
ويضيف أبكر أن هذا الظهور يعكس حجم القلق داخل التيار الإسلامي من أي تسوية سياسية قد تضعف نفوذه أو تبعده من المشهد، ولذلك لجأ كرتي إلى التصعيد كتحرك استباقي لخلط الأوراق وإرسال إشارات للبرهان بأن الإسلاميين “لن يقبلوا أي تنازلات تمس مصالحهم”.
ويرى الكر أن الوضع الاقتصادي المتدهور يجعل استمرار الحرب خيارًا مكلفًا وغير قابل للاستدامة، مشيرًا إلى أن تكلفة تمويل الحرب تفوق ميزانية الدولة، فضلًا عن خسائر الجيش الكبيرة في الأرواح والعتاد.
وفقد لجيش عددًا من ضباطه بين قتيل وجريح، وواجه حالات فرار داخلية، إضافة إلى تعدد المليشيات داخل منظومته، مثل كتائب البراء وقوات كيكل والمشتركة والمقاومة الشعبية وبعض المقاتلين من التقراي والمتدربين في إريتريا.”
ويضيف ابكر أن حصار مدينة الأبيض يمثل خطرًا استراتيجيًا كبيرًا على معاقل الحركة الإسلامية، وأن سقوطها يعني امتداد المعارك نحو الشمال، بما يشمل النيل الأبيض والخرطوم والشمالية.
ويضيف ان سقوط الأبيض سيكون القاصمة لظهر الحركة الإسلامية قبل الجيش نفسه، وقد يدفع الإسلاميين لقبول الهدنة لتفادي الانهيار الكامل.”
ويعود المحلل الجدي ليؤكد أن الدراسات الاستخباراتية الأمريكية تركز حاليًا على بناء جيش قومي غير مسيّس كركيزة للاستقرار ومنع الفوضى، استنادًا إلى تجارب واشنطن في سوريا والعراق.
وتابع بان البرهان ومجموعته يدركون أنهم فقدوا السيطرة المطلقة على القرار العسكري، لأن مراكز القرار أصبحت متعددة: الحركة الإسلامية من جهة، الحركات المسلحة من جهة أخرى، إضافة إلى مصر وبعض المليشيات.”
ويختم أبكر حديثه إن قبول الهدنة أو رفضها في نهاية الأمر “أصبح خارج سلطة البرهان”، لأن المشهد الآن تحكمه مصالح متشابكة تتعلق بالذهب والسلطة والموارد والمياه، مما يجعل مستقبل الحرب والهدنة مرهونًا بتوازنات القوى الإقليمة



