قوارب مائية محلية تدهش الزائرين.. ابتكار صبيان يهزم الخوف ويصنع الأمان
منطقة نائية تتحول إلى مركز عبور ضخم.. تجارة وسياحة وزراعة رغم الحرب
خزان جديد : الاشاوس
خزان جديد، وحدة إدارية تتبع لمحلية شعيرية بولاية شرق دارفور، لكنها أكبر من مساحتها بكثير؛ فهي منطقة صنعت لنفسها سمعة محلية واسعة بما تتمتع به من موقع جغرافي مميز، ووضع تجاري نشط، وجاذبية سياحية لافتة، إضافة إلى نسيج اجتماعي متماسك تحدّى وواجه ظروف الحرب، وفتح أبوابه للفارين من نيرانها بكرم وسماحة يُشهد لها.
البحيرة التي تنبسط حول المدينة منحتها بُعدًا جماليًا فريدًا، وجعلت السكان يعيشون على ضفّتين يفصل بينهما الماء المتجدد طوال العام. هذه البحيرة الطبيعية، المستقرة أمام تغيّرات الفصول، كانت وما تزال مصدر حياة للإنسان والحيوان معًا.
قصة الخزان والتحنان.. إرث المستعمر وابتكار الأهالي
يقول شرتاي المنطقة محمد الفضل جعفر إن هذه البحيرة هبة من الله ظلت لسنوات طويلة، لكنها تحولت إلى خزان تقليدي بعد أن قام المستعمر الإنجليزي ببناء حواجز لحفظ المياه بشكل مستمر. وما تزال تلك الحواجز شاهدة على تاريخ موثق في سجلات الاستعمار.
إلا أن انقسام المدينة إلى شطرين فرض على السكان البحث عن وسيلة للعبور. بدأت الرحلة بقوارب تقليدية بدائية، ثم صعد بها الإبداع الشعبي إلى مستوى جديد؛ فاليوم ترى قوارب من نوع مختلف صنعها صبية بأدوات بسيطة ولكن بذكاء لافت.
قطعتي زنك مجوفتين تُستخدم عادة في بناء المساكن النائية – حُوِّلتا إلى مركب آمن يشبه (الطرورة)، يوضع في وسطه سرير لتثبيت الوزن، وفي مقدمته مقعد للربّان. وباستخدام (كوريك) صغير بدل المجداف، يعبر بك الصبية البحيرة في دقائق بابتسامة واثقة.
قارب لا يغرق!
هذا هو الشعار الذي يطلقه الصبية الذين يديرون القوارب اليوم. يؤكد أحدهم أن التطوير جاء حين اكتشفوا أن الزنك المجوف هو الأكثر ثباتًا. في البداية كان المركب يحمل راكبين فقط، ثم زادت قدرته بعد إضافة لوح أكبر فوق اللوح الأول ليصبح أكثر توازنًا.
وصل الأمر الآن إلى إمكانية نقل البضائع عبر البحيرة، وحمل ما بين 9 إلى 10 ركاب في الرحلة الواحدة. ورغم أن تذكرة العبور قيمتها جنيه واحد، إلا أنهم – كما يقول أحدهم – لا يتشددون في التحصيل مراعاة لظروف الناس.
سياحة عابرة.. وصور فوق صفحة الماء..
يحكي أحد الصبية أن بعض المارة يقصدونهم فقط للقيام بجولة “سياحية نيلية هادئة” فوق البحيرة، ويلتقطون الصور، وبعض المناسبات تتحول إلى احتفال فوق الماء، وتصدح النساء بالأغاني من القارب حتى الوصول إلى الضفة المقابلة.
أما عن سؤال تكلفة العبور، فيبرر أحدهم ارتفاعها بضعف الحركة؛ إذ تأتي الرحلات بصورة كبيرة غالبًا فقط في ايام السوق الاسبوعي أو العطلات
بحيرة تُطعم المدن.. وزراعة تمتد حتى الضعين ..
يقول أبشرتاي محمد الفضل إن هذه البحيرة ليست جمالية فقط، بل هي مخزون مائي ضخم يساعد المزارعين في زراعة الخضروات بكميات تجارية تُغذي المحليات القريبة، وتصل حتى عاصمة الولاية – الضعين.
ملتقى تجاري واقتصادي نابض بالحياة ..
تحولت خزان جديد إلى معبر ضخم تمر عبره الشاحنات من وإلى ولايات دارفور كافة، بل تمتد الحركة شمالًا حتى الولاية الشمالية. هذا النشاط ساهم في انخفاض أسعار السلع مقارنة ببقية المناطق.
ويتطلع المواطنون لأن تلتفت الحكومة لهذه المنطقة الواعدة، وتستثمر في ميزاتها السياحية والتجارية، وتُنشئ سوقًا (بورصة) للسلع، واستراحات سياحية تعزز من مكانتها كمنطقة تجمع بين التجارة والسياحة والطبيعة.



