الرئيسيهجمعة حرازمقالات

جمعة حراز يكتب: حين يخفت الضجيج… ويتقدّم صوت السلام

تقدير موقف

لم تكن تلك الجموع المبعثرة سوى ظلٍ باهتٍ لما أُريد له أن يكون “حراكًا”. خرجوا بلا روح، بلا قناعة، وبلا قضية حقيقية. فشلٌ ذريع كُتب على تلك التظاهرات منذ لحظتها الأولى، لأن الشارع لم يستجب، ولأن الصوت الذي أُريد له أن يُدان لم يكن هو الصوت الحقيقي للناس.

كانوا يريدون مظاهرات إدانة، مشاهد مُعدّة سلفًا، وهتافات محفوظة، تُرفع لتخدم أجندة قديمة. لكن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا. ما إن بدأت المحاولة حتى تحوّل المسار، وانقلب المشهد، وارتفع صوت واحد لا يمكن كتمه: أوقفوا الحرب. خاب ظن الفلول، وانقلب السحر على الساحر.

القليلون الذين ظهروا في المشهد لم يكونوا سوى خليطٍ من مجبرين، بعضهم طلاب مدارس دُفعوا دفعًا، لا يدركون لماذا خرجوا ولا إلى أين يسيرون. لم يحملوا حلمًا ولا موقفًا، بل حملوا إرهاقًا واضحًا على الوجوه، وكأنهم يؤدون واجبًا ثقيلاً لا يؤمنون به.

حتى محاولات الإغراء البسيطة سقطت سقوطًا مدويًا. لا سندوتشات الطعمية والطحينة جمعت الصفوف كما في السابق، ولا زجاجات المياه استطاعت أن تخفف عطش القناعة الغائبة. بدا كل شيء مرتبكًا، باهتًا، ومكشوفًا، حتى تحوّل المشهد إلى اعتراف علني بانتهاء الصلاحية.

وفي المقابل، كان هناك صوت آخر، أكثر ثباتًا وصدقًا. صوت لم يحتج إلى حشود مصطنعة ولا إلى إجبار أو إغراء. صوت السلام. ذلك النداء الذي خرج من قلوب الناس قبل حناجرهم، فكان الأعلى، والأصدق، والأبقى.

الناس اليوم لم تعد تنخدع بالشعارات المستهلكة ولا بالاستعراضات الفارغة. ما يريده الشارع واضح وبسيط: وقف الحرب، وصناعة سلام حقيقي، يحفظ الكرامة ويوقف النزيف ويعيد للوطن عافيته. لذلك سقط الضجيج، وارتفع المعنى.

وهكذا، بينما فشلت المظاهرات فشلًا ذريعًا، نجح الوعي. وبينما خفتت أصوات الفتنة، علا نداء السلام، لأنه وحده الذي يجد مكانه في قلوب أنهكها الصراع وتعبت من العبث.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى