(تحليل أمني – عسكري – سياسي)
بقلم: عبدالعزيز ضاوي
يشكّل سقوط مدينة الفاشر، آخر معاقل مليشيات البرهان الإرهابية في إقليم دارفور، تحوّلًا مفصليًا في الحرب المستمرة منذ أكثر من عام ونصف. لم يكن الحدث مجرد هزيمة ميدانية، بل كشف تفككًا بنيويًا داخل هذه المليشيات، وانكشاف صراع تتقاطع فيه المصالح العسكرية والاقتصادية والأيديولوجية، مهدّدًا فكرة الدولة المركزية نفسها.
انقسام القيادة.. مليشيات البرهان الإرهابية تترنّح بين الولاءات.
لم تنهزم المليشيات بالسلاح فقط، بل بالإنهاك والتآكل الداخلي. القوات المحاصَرة عانت من نقص الإمدادات والذخيرة والغذاء، ومع تراجع الرواتب والمعنويات، ظهرت الانشقاقات والانضمامات إلى قوات الدعم السريع التي تمثل نواة جيش تأسيس. هذا الانهيار الميداني يعكس تقهقر القيادة المركزية وضعف قدرتها على إدارة الحرب في الأطراف.
الأخطر أن المليشيات لم تعد كتلة واحدة، بل تعددت ولاءاتها بين جناح مترنّح تدعمه دوائر الإسلاميين، وآخر يسعى للحفاظ على التماسك حول القيادة الرسمية، في ظل غياب رقابة مدنية أو رؤية وطنية جامعة.
في هذا السياق، جاءت خبطَة اجتماع مجلس الأمن والدفاع الذي انعقد الثلاثاء 4 نوفمبر 2025) لتؤكد هذا الانقسام. فالمخرجات والبيان الختامي لم يعكسا وحدة موقف، بل أظهرا الشرخ داخل قيادة المليشيات بين جناح البرهان، والإسلاميين، ومجموعات الارتزاق المحيطة به. لغة البيان كانت مترددة ومتناقضة، في دلالة واضحة على أن “المعسكر الواحد” لم يعد كذلك.
صراع الدوائر الثلاث.. السلطة تتشظّى.
الصراع في السودان تجاوز البعد العسكري إلى ثلاث دوائر متداخلة:
- الدائرة العسكرية/الأمنية: السيطرة على الفاشر أنهت الوجود الفعلي لمليشيات البرهان الإرهابية في دارفور وفتحت الباب لإعادة تشكيل الخريطة الأمنية.
- الدائرة الاقتصادية: دارفور مركز للذهب وممرات التهريب نحو تشاد وليبيا، ما ولّد اقتصاد حرب تموّله شبكات مصالح مسلحة.
- الدائرة الأيديولوجية/الإسلاموية: القوى الإسلاموية تحاول استثمار الفوضى لإعادة إنتاج نفوذها عبر شعارات “الجهاد والمقاومة”، ما يربط المعركة بالعقيدة والهوية لا بالسياسة فقط.
إن سقوط الفاشر لا يُختزل في سقوط مدينة، بل في سقوط مفهوم الدولة الموحدة. الانقسام داخل المليشيات، وتزاوج المصالح الاقتصادية بالعقيدة، ينذران بـسيطرة قوات تأسيس بالقوة والقانون.
ما لم يُستعد الانضباط الوطني وتُعاد هيكلة القوات على أسس مهنية، فإن دارفور لن تكون نهاية الحرب، بل بداية تفكك السودان الحديثة.



