الرئيسيهتقارير

تحلَّت بالحياد فاكتسبت العداء: علاونة بشمال دارفور.. قصة أهالٍ في مرمى نيران (المشتركة)!!

المجاعة تُحيط بالمنطقة بعد فقد موسمين زراعيين، وأعينُ السلطات والمنظمات لا تراها!!

المنطقة انقطعت بها السبل، وحفِظها الانصهار والتعايش من ويلات الحرب، والسوق بائس بسبب ظروف التجار

آثار الحرب عطّلت التدريس لعامين، وحوّلت المشفى الوحيد إلى بناية بلا أسوار!

حادبوب أعادوا مستقبل الأطفال بفتح المدارس وهجير الشمس فوق رؤوس التلاميذ!!

علاونة: الأشاوس

تقع في محلية دار السلام، إحدى محليات ولاية شمال دارفور. موقعها جعل منها منطقة عبور ومدخلاً إلى مدينة الفاشر من الناحية الجنوبية. تسكنها قبائل متعددة تجمعهم المودة والإخاء، وعاشوا سنوات من الأمن والأمان قبل الحرب وبسطة في الرزق والكسب، لكن إفرازات الحرب حولت البقعة إلى جحيم من النار والرعب.
بعضهم اختار المغادرة مُكرهاً، وحصاد زرعهم أُخذ عنوة من متفلتين، وتعطّل كل شيء؛ المشفى الوحيد في المنطقة والمدارس، وبقي قليلٌ من الناس اختاروا البقاء حتى لو كان المصير المحتوم الموت. إنها منطقة علاونة، ويالسوء طالعها، خرجت من دائرة رعاية السلطات المدنية القائمة ومن اهتمام المنظمات التي تحمل الغذاء والإغاثة لمناطق هي أفضل حالاً منها.
(الأشاوس) وقفوا على منطقة حباها الله بأعذب نبع ماء في السودان، ورصيدٍ عامر من الانصهار والتعايش لم يتعكّر صفوه يوماً.

مشاهد وقصص

خلال التقصّي عن حال علاونة الجريحة، كانت كل الروايات تقول إن هدوء هذه المنطقة جعلها تختار في بداية الحرب الحياد بعيداً عن القتل والفقد، لكنهم لم يكونوا يدرون أن الفقد الذي يخشونه سيكون أعظم.
يقول أحد المتحدثين إن الموقع الجغرافي جعل منها منطقة حياد لا تتبع لأي من القوى المتصارعة؛ الدعم السريع و(المشتركة). إلا أن عناصر من الأخيرة أرادت إحداث شرخ بين أهالي المنطقة والدعم السريع، يوم أن تحركت قوة من الفاشر عابرةً منطقة علاونة جنوباً، لتنفيذ مهمة الاعتداء على شاحنات تتبع للدعم السريع وحرقها في مكانٍ غير بعيد.
عادوا بعدها وظهروا في مقطع فيديو قرب لافتة مدخل المدينة، بتصريحات أنهم نجحوا في إحراق شاحنات الدعم السريع وأنهم الآن في علاونة، ما وضع المنطقة في مهب الخطر.
وصلت قوات الدعم السريع إلى المنطقة، وأحاطت بها من كل اتجاه، وأطلقت النار بكثافة في اختبار لردة الفعل دون الاعتداء على أحد. تكرر الأمر في اليوم التالي، عندها خرج بعض أعيان المنطقة والتقوا بالمسؤولين عن القوة، وبيّنوا لهم حقيقة الأمر.
كانت الحقائق واضحة أمام عناصر الدعم السريع، فشكروا الأهالي على موقفهم، ومن هنا بدأت علاقة جديدة تحوّل فيها أهالي المنطقة من الحياد إلى الانحياز للدعم السريع، فدفعوا بأبنائهم في صفوف الجاهزية حماية لأنفسهم، متناسين أقدار الزمان التي أدخلت فيهم الرعب وأفقدتهم أموالهم وزرعهم وماشيتهم، وأصبحوا فقراء إلى الله يطلبون العون والإغاثة لا غير.

وقفنا على محطات عدة؛ المدرسة الوحيدة التي أُعيد فتحها بعد نحو ثلاثة أعوام، والمشفى الوحيد الذي يقف بلا أسوار ولا دواء ولا كادر، وسوق المنطقة الذي بدأ في التعافي، ومحطة الماء التي ما تزال صامتة بعد ٦٧ عاماً من العطاء، ولسان حال الأهالي يلهج بالشكر لله على نعمة الأمن، وهم لا ييأسون على ما فات.

تلاميذ نسوا حتى حروف الهجاء!

يقول مدير مدرسة علاونة، الأستاذ محمد محمود عبد الرحمن:

“المدارس أُغلقت منذ ثلاث سنوات، وفتحنا المدرسة بدون أثاث، لأن خمسة آلاف نازح من الفارين من الحرب حلّوا علينا ضيوفاً في المدارس، فأُخذ كل الأثاث.
بدأنا العمل، ويصل إلينا يومياً عشرات الطلاب، للأسف الكثير من تلاميذ الصف الثالث نسوا الحروف الأبجدية.
أخلينا ثلاثة فصول، والآن جزء كبير من التلاميذ يجلسون على الأرض.
اتفقنا أن تكون الفصول مزدوجة (بنين وبنات).
لا يوجد إجلاس، حتى كرسي المعلم أصبح مشكلة، ولا زي للتلاميذ؛ كلٌ يرتدي ما توفر.
كما استعنا بستة متطوعين للتدريس.”

عامان من الخسائر!!

يقول شيخ المنطقة، عبد الله محمد عبد الله، إنهم أصرّوا على إنقاذ مستقبل الأجيال بعد ضياع ثلاثة أعوام أدت إلى نسيان التلاميذ للقراءة والكتابة، وهذا تحدٍّ كبير أمام المعلمين لمعالجته.

مشفى واحد بلا معينات عمل!

يقول شيخ المنطقة إنهم يعانون كثيراً في الحصول على العلاج، إذ يوجد مركز صحي واحد بلا أجهزة طبية ولا كادر كافٍ للعمل.
وفي شأن المياه، يشير إلى أنّ المنطقة بها عدد (2) دونكي، العاملة منهما واحدة بكفاءة ضعيفة.
لا توجد شرطة، وقد وفدت موجات كبيرة من النازحين واستقروا في المدارس، وتقاسم معهم الأهالي اللقمة.
يشكو من فقدان الزرع لعامين متتاليين؛ الأول بسبب سرقته من متفلتين، والثاني بسبب طلق الماشية المبكر الذي قضى على الأخضر واليابس.
يقول:

“المنطقة تعيش شبهة مجاعة، لا محصول ولا حصاد. ندعو المنظمات إلى دعمها، فالمواطنون يعيشون ظروفاً قاهرة خارجة عن إرادتهم.”

مطلوبات عاجلة ..

يقول شيخ المنطقة إنهم بحاجة إلى تعزيز الارتكازات، إضافة إلى معالجة مشكلة تدفق البضائع إلى المنطقة، مشيراً إلى أن بعض البضائع تأتي من رئاسة المحلية في خزان جديد، إلا أن الأسعار ارتفعت إلى الضعف بسبب الندرة.

صوت المشفى ..

تقول ريان عبد الله، إحدى كوادر المشفى المغلق:

“المركز الصحي الوحيد يفتقد للأجهزة والمعدات الطبية والأدوية.

نطالب بتسوير المشفى وإعادة تأهيل المبنى.
المنطقة تواجه تحدياً في توفير العلاج لأصحاب الأمراض المزمنة كالسكر والقلب.
غرفة الغيار خاوية على عروشها، حتى الكراسي التي يجلس عليها الكادر والقلم الذي يُكتب به غير موجود.
الكادر لا يعمل لأن المشفى تعرّض للسرقة.
يوجد فقط مساعد طبي وقابلات وكادر معمل، ولا توجد حتى سماعة طبية.
الأقسام فارغة إلا من ثلاجة لقسم التحصين.
لا يوجد مرفق صحي قريب إلا في رئاسةةالمحلية في دار السلام، والذهاب والإياب يتطلب 30 جنيهاً دون رسوم الفحص والعلاج.
ندعو حكومة تأسيس للوقوف مع المواطن.”

.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى