الرئيسيهمقالات

جمعة حراز يكتب: حين تُعيَّن المدن أهدافًا في خطبة الجمعة… أي دين هذا؟”

من على منبر الجمعة، صدح صوت لا يشبه الهدى، ولا يحمل في طياته إلا وعيدًا أسود. خطيبٌ يفتي بضرب نيالا والضعين والكومة، ويُحددها بالاسم، كأنها ليست مدنًا سودانية، بل ساحات قتال مع عدو خارجي. فأي خطبة هذه التي تُغلف الحقد بآيات الله؟ وأي إمامٍ هذا الذي جعل من بيوت الله منابر لتحديد “أهداف” القتل والحرق والانتقام الجماعي…
“ضربونا في بورتسودان… سنضربهم في نيالا والضعين والكومة!”
هكذا قالها دون مواربة. “أحرقوا مخزوننا من الوقود، سنحرق ماشيتهم ومحاصيلهم، سنهدم بيوتهم وأسواقهم ونقطع تناسلهم!”
عبارات تقطر دماً وكراهية، خرجت لا من فم جنرال في معركة، بل من فم رجل يُفترض به أن يُصلي بالناس، ويدعوهم إلى السلام.
إنها ليست مجرد خطبة، إنها جريمة مكتملة الأركان.
جريمة ضد الوطن، وضد الدين، وضد الإنسان. أن يُفتي الخطيب باستهداف مدن بعينها، وبقتل أهلها، فهذا تحريض مباشر على إبادة جماعية، لا يقره شرع، ولا يجيزه قانون، ولا يسكت عليه ضمير.
أي خطيب هذا الذي لا يخجل من الدعاء بالهدم والحرمان والاقتلاع؟
من يفتي بقطع النسل لا يدعو إلى الله، بل إلى الإبادة. ومن يوزع النار على المدن، لا يبني أمة، بل يُشعل فتنة لا تُبقي ولا تذر.
ووسط هذا الخطاب المسموم، لم ينسَ الخطيب أن يخصص فقرة للنيل من الفنانة نانسي عجاج، وكأن صوتها يغني الحياة التي يُريد هو ومن معه قتلها. فهل صار الفن عدوًا يُحرَّض ضده من فوق المنابر؟ أم أن كل ما يشبه النور صار مُستهدفًا من الظلاميين؟
هؤلاء ليسوا علماء، بل وقود نارٍ لا تنطفئ.
علماء الحائض والنفاس حين يُسألوا عن فقه الواقع، وعلماء التأجيج حين يُطلب منهم التهدئة. أئمة لا يرون في منابرهم إلا منصات للوعيد، ووسائل لتحويل الدين إلى سلاح في معركة سياسية.
المدن ليست “حواضن”، والشعب في نيالا والضعين والكومة لا يقلون سودانيةً ولا إنسانيةً عن أي بقعة أخرى. لهم أسر، ومساجد، ومدارس، وأحلام، لا يحق لخطيب مأجور أن يمحوها بفتوى محشوة بالغل.
على المجالس الدعوية، والمراجع الدينية، وكل أصحاب الضمائر، أن يقولوا كلمتهم.
فالساكت عن الفتنة شيطان أخرس، ومن يصمت عن هذا الخطاب المسموم اليوم، سيدفع ثمن الدم غدًا.
المسجد يُفترض أن يوحد القلوب لا أن يُفرقها، أن يهدئ النفوس لا أن يشيطن المدن.
فلنوقف هذا العبث قبل أن يستفحل، ولنطهر المنابر من دعاة الخراب، قبل أن تتحول بيوت الله إلى أبواق للانتقام.
من يفتي بقتل الأبرياء، ليس إمامًا… بل محرّض حرب.
ومن يصمت عن ذلك، شريك في الجريمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى