
تمر البلاد بمرحلة بالغة الخصوصية والخطورة في آن واحد من ضمن تحولات مراحلها السياسية منذ نشأة الدولة الوطنية التي رافقتها الهشاشة وعدم التماسك والاضطراب وعدم الاستقرار في الحكم حيث ظلت تتقلب مابين ديمقراطية منقوصة وشمولية عسكرية قابضة، الا انها الان تمر باخطر لحظاتها هشاشة وسيولة امنية بعد ان عمتها الحرب من اقصاها لاقصاها ! الي ان وصلت للحظة الحرجة التي اصبح فبها المراقبون بناقشون علنا امكانية التقسيم بعد بروز اتجاه جدي لتكوين حكومة لنزع الشرعية الزائفة لحكومة الحرب في بورتسودان!
حذر العديد من المراقبين من بروز نزعة التقسيم من خلال اعلان حكومة بديلة من قبل تحالف تأسيس! كما حذروا ايضا من نية البرهان تشكيل حكومة يدعي مدنيتها من خلال تكنوقراط! وبعد ان مضى الطرفان في عزمهما على ذلك من خلال ما اعلنته (تاسيس) من نيتها في تكوين حكومة بديلة لعدة دواعي وتبريرات مقبولة سياسيا من قبل طيف واسع من المواطنبن والتيارات والقوى السياسية التي رات في حكومة بورتسودان حكومة حرب زائفة الشرعية ذات توجهات عنصرية منعت من خلالها العديد من مواطني البلاد اهم ضرورات الحياة وحرمتهم حتى من حق المواطنة وحقوقهم الدستورية من اوراق ثبوتية واوراق الهوية وحق التنقل وسلبتهم ابسط حقوق المواطنة من توفير خدمات التعليم والصحة بل سعت لتدمير ما كان قائما من بنية تحتية وفق قصف جوي ممنهج تقصدت فيه قتلهم بحجة مساندتهم للدعم السريع وتبرير انهم حواضن للمليشيا المتمردة على حد قولهم!
بينما مضت (تأسيس) خطوات واسعة نحو هدفها بتكوين حكومة تلبي تطلعات جماهير الشعب السوداني في اقاليم واسعة من البلاد عبر اكبر تحالف استراتيجي سياسي وعسكري تشهده البلاد، تعثرت حكومة البرهان التي اعلنها بتعيين الدكتور كامل ادريس الذي وصفه اللورد جيرمي بانه دمية بينما وصفه الدكتور وليد مادبو (بالعوقة) ولم يصف اللورد جيرمي ستيمة شخصية بل اتى كإشارة دقيقة إلى علاقة التبعية السياسية بين الرجل والجنرال البرهان، ومن خلفه تحالف إسلاموي – عسكري قابض مابين تيارات اسلامية وحركات مسلحة وجيش وملايش لا عد لها جميعها تصطرع حول كراسي السلطة وتبحث عن التمدد في النفوذ وتقاسم ثروات البلاد مما اثار العديد من التكهنات بعدم قدرته على تشكيل حكومة في ظل هذا التنافس والتشاكس اللئيم حول محاصصات السلطة!
لم تكن التكهنات ناتجة عن فراغ وانما جاءت نتاج قراءة متأنية لاوضاع حكومة الامر الواقع المشكلة من تحالف الحرب في بورتسودان وهي ما ادت الي هذه الرؤية التحليلية حول فشل حكومة الامل واساهمها في تقسيم البلاد كما اشار لذلك عضو مجلس السيادة السابق الاستاذ محمد الفكي سليمان في مناشدته للبرهان بعدم تشكيل حكومة فضلا عن عدم مشروعيتها فانها سوف تقود لتقسيم البلاد ! واشار لهذا المعني نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني م خالد عمر يوسف بقوله : “تعيين سلطة بورتسودان لرئيس وزراء مدني لن يغير شيئاً من حقائق الواقع كسلطة عسكرية مطلقة وواجهة مدنية “تكنوقراط” تشرعن السلطة العسكرية دون أن تملك اي سلطة او مشروعية مستقلة عن العسكر. قراءة التعديلات الدستورية التي قامت بها سلطة بورتسودان توضح بجلاء أن العسكر هم من بيدهم السلطة المطلقة وهو ما لا يمكن اخفاءه بالواجهات المدنية التي لا تملك من أمرها شيئاً”.
أصابت التكنهات بتعثر حكومة كامل ادريس وتبعيتها للبرهان وعدم حرية الدمية كامل ادريس في تعيين وزرائه كما يشيع ويدعي مطبلي ونافخي الجوخ لسلطة بورتسودان حيث لم يستطع تشكيل حكومة حتى اليوم منذ تعيينه منذ مايقارب الشهر الي ان ازاح عنه الحرج البرهان نفسه باعلان وزيري الداخلية والدفاع وهما ليس من صلاحياته كرئيس وزراء وانما من اختصاص الجيش! ثم اخذ يمضي متعثرا في اعلان وزرائه (بالقطاعي) حيث اعلن مؤخرا عن تعيين ثلاث وزراء مدنيين للصحة والتعليم والزراعة، بينما اثار اصرار حركات الارتزاق على المحاصصة ازمة دولية حينما اختصم شركاء السلام فيما بينهم فضلا عن اصرار جبريل ومناوي على خصصهما ومناصبهما دون تغيير حتى في الشخوص! مما عده بقية شركاء جوبا امثال طمبور والجاكومي أثرة وجشع منهما واضطرا الي استشارة الوسيط الذي ايد الرؤية المخالفة لاصرار جبريل ومناوي حتى كاد بنفرط عقد تحالف الارتزاق مع الجيش إذا تم تنفيذ تفسير الوسيط لبنود الاتفاقية مما يعني تداول نسبة سلام حوبا من المحاصصة حول السلة بين جميع الموقعين ، الامر الذي رفضه جبريل ومناوي وهددا فيه البرهان بفك التحالف فيما بينهما والجيش بالوقوف معه في الحرب ضد قوات الدعم السريع! الامر الذي اخافه كثيرا خشية فقده دعمها وهو يرزح تحت ضغط تضعضع جيشه مما جعله يسعى لتجنيس التقراي من اجل القتال الي جانبه بحيث لا يمكن له باي حال من الاحوال التفريط في تحالفه مع حركات الارتزاق مما يعني نهايته فبادر الي تجاوز رئيس وزرائه الدمية وحسم الامر بوضع كامل ادريس تحت الامر الواقع واعلان ابقاء جبريل وممثلي مناوي في مناصبهما! وزاد على ذلك بادخال البلاد في ازمة دولية باستنكاره على الوسيط الجنوبي تفسيره للاتفاقية بغير ما تهوى انفسهم من احتكار للسلطة وانشأ ازمة جديدة بصراع شركاء السلام امثال طمبور والحاكومي الذي اشارت الاخبار الي تدريبه حوالى خمسين الفا من عناصره المسلحة بالاتفاق مع طمبور في ارتريا مما يدخل البلاد في مأزق جديد ويفتح عليها بابا من الاضرابات وربما الصراع المسلح بين رفقاء السلاح!
يؤكد الخبراء وفق معطيات الواقع وراهن الاوضاع فشل حكومة الامل بقيادة كامل ادريس في تشكيل حكومة متماسكة ذات كفاءات تستطيع العبور بالبلاد الي بر الامان! بينما يمضي تحالف تأسيس في نسج خيوط حكومته بكل عزيمة وهدوء في تناسق تام مما يقود الي وصولها الي هدفها المنشود بتكوين حكومة تعمل على نزع الشرعية الزائفة من حكومة بورتسودان وادارة البلاد او على الاقل تكوين حكومة تعمل على انقاض شرعية بورنسودان وتزاحمها دوليا من خلال ماهو مرجح باعتراف عدد من الدول بها كحكومة شرعية للبلاد!
ويرى المحلل السياسي أسامة محمد أحمد أن الفارق كبير ما بين حكومة كامل ادريس، وحكومة (تأسيس)، مشيرا الى ان الأولى تتعثر ولم تفلح في إنجاز مهمتها وقد فشلت في أحداث توافق بين مكوناتها للاعلان عن الحكومة التي تفتقد للشرعية على حد قوله ، مشيرا إلى أن تأسيس نجحت في الجانب الاخر في التوافق لاختيار الهيئة القيادية التي تمهد لتشكيل الحكومة، مبينا أن الأرضية التي انطلقت منها تأسيس تساعدها في التوافق لأنها تمثل تحالف حقوق وتحالف يرفض الحرب.
ولم يستبعد الخبير الاستراتيجي موسى حميدان أن يفشل كامل ادريس في مهمة تشكيل حكومة في ظل حالة الشد والجذب السياسي الذي يهدف للمحاصصة دون النظر للمصلحة العامة ، لافتا إلى موقف حركتي مناوي وجبريل وأثره المباشر في التأخير.