
أوراق الأيام
أخلاق الشعب السوداني قبل حكومة الحركة الإسلامية والكيزان
عندما كنت أتابع كتابات الصحفيين الكبار وأتجول في بحر العلم والمعرفة، وجدت أن الشعب السوداني أطيب شعب وأكثره تواضعًا وعطفًا. في العهد القديم، أي مسؤول قابلته، لم يكن هناك حاجة لوساطة، ولا كان مهمًا شكلك أو لونك، أو من أين أنت، فالكل متساوٍ.
لكن بعد وصول الحركة الإسلامية إلى السلطة، أصبح كل شخص يُصنف بناءً على لونه أو شكله أو قبيلته، وهذا ما أفقد الشعب السوداني الثقة ببعضه البعض، وتعلموا أساليب الواسطة والمحسوبية. الله لا يبارك في من قلّل من شهامة الشعب السوداني، والله لا يبارك في من غير أخلاق الشعب السوداني.
استوقفني موقف جميل وطيب من الشعب السوداني، وأود نقله كما هو، كرمًا وأخلاقًا وطيبة معروفة لكل شعوب العالم:
في عام 1988، كانت سيدة من دارفور ترافق ابنها المريض في مستشفى الخرطوم. وعند مرور البروفيسور الضو، سألت عن دواء بعفوية: “ولدي، دا مالكم ما بتدوه دواء؟” فرد عليها البروفيسور بعفوية: “وليدك دا دواؤه هنا، ما في إلا يجيبه من لندن.” طلبت منه أن يكتب اسم الدواء في الروشتة، ففعل. خرجت السيدة ولم تعد إلى المستشفى إلا بعد أربع ساعات.
كان هناك رجل يرافق ولده في المستشفى، وعند سؤال السيدة، أجبته: “مرقت بركب تاكسي، ودّيني إلى المطار محل الطائرات بالسفر.” خشيَت أن تسأل عن سائقي الطائرات، فقالت لهم: “عندي وصية، ودوني إلى ناس يلبسون قميصًا أبيض وخاتين برنيطة.” سألتهم، فأجابوا: “كبيركم وصفو إلى واحد اسمه عبد الرحيم.” مشيت إليه وقلت له: “يا عبد الرحيم، ولدي راقد في المستشفى، دواؤه لا يوجد إلا في لندن، ونحن لا نعرف لندن، وأنتم سائقو الطائرات تعرفون طريق لندن.” أخذ الورقة وقال: “غدًا إن شاء الله، عندي سفرية إلى لندن، وبإذن الله سأجيب لك الدواء.”
وفي اليوم الرابع جاء الكابتن عبد الرحيم ومعه زوجته، حاملين الدواء وبعض الأطعمة لزيارة السيدة وولدها المريض. لم تكن تلك السيدة تملك سوى العشم، ولم يكن الكابتن عبد الرحيم إلا سودانيًا شهماً يملك في قلبه رحمة. لم يخدمها لأنه حسناء، ولم يكن يملك المال، بل كان يقوده الإحساس الإنساني السوداني الخالص.
كم هو جميل ذلك السوداني! كيف نستعيد هذه الصفات والقيم والأخلاق؟
دمتم بأخلاق سودانية خالصة، بعيدًا عن أخلاق الكيزان والعسكر، وجبريل واردول ومناوي، الذين خالفوا الفطرة الإنسانية، وتركوا الذبح والقتل والوجوه الغريبة، وإثبات الهوية الوطنية. الله لا يبارك فيهم.